الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } * { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } * { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

وقوله - سبحانه - { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } على قولهقَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا.. } أى بعد أن لج قوم نوح فى طغيانهم، وصموا آذانهم عن سماع دعوته.. أوحى الله - تعالى - إلى نوح بأن يكتفى بمن معه من المؤمنين، فإنه لم يبق فى قومه من يتوقع إيمانه بعد الآن، وبعد أن مكث زمنا طويلا يدعوهم إلى الدخول فى الدين الحق، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا.. وقوله { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } تسلية له - عليه السلام - عما أصابه منهم من أذى. والابتئاس الحزن. يقال ابتأس فلان بالأمر، إذا بلغه ما يكرهه ويغمه، والمبتئس الكاره الحزين فى استكانة. أى فلا تحزن بسبب إصرارهم على كفرهم، وتماديهم فى سفاهاتهم وطغيانهم، فقد أن الأوان للانتقام منهم. قال الإِمام ابن كثير يخبر الله - تعالى - فى هذه الآية، أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم، وعذابه لهم، فدعا عليهم نوح دعوته وهىرَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } فمنذ ذلك أوحى الله - تعالى - إليه { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } فلا تحزن عليهم، ولا يهمنك أمرهم ". وقوله { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا... } معطوف على قوله.. { فَلاَ تَبْتَئِسْ... } والفلك ما عظم من السفن، ويستعمل هذا اللفظ للواحد والجمع، والمراد به هنا سفينة واحدة عظيمة قام بصنعها نوح - عليه السلام -. والباء فى قوله { بِأَعْيُنِنَا } للملابسة، والجار والمجرور فى موضع الحال من ضمير اصنع. أى واصنع الفلك يا نوح، حالة كونك بمرأى منا، وتحت رعايتنا وتوجيهنا وإرشادنا عن طريق وحينا. وقوله - سبحانه - { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } نهى له عن المراجعة بشأنهم. أى ولا تخاطبنى يا نوح فى شأن هؤلاء الظالمين، بأن ترجونى فى رحمتهم أو فى دفع العذاب عنهم، فقد صدر قضائى بإغراقهم ولا راد لقضائى. وقوله - تعالى - { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } بيان لامتثال نوح لأمر ربه. وجاء التعبير بالفعل المضارع مع أن الصنع كان فى الماضى استحضارا لصورة الصنع، حتى لكأن نوحا - عليه السلام - يشاهد الآن وهو يصنعها. ثم بين - سبحانه - موقف قومه منه وهو يصنعها وقال { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ... } والسخرية الاستهزاء. يقال سخر فلان من فلان وسخر به، إذا استخف به وضحك منه. أى امتثل نوح لأمر ربه، فطفق يصنع الفلك، فكان الكافرون من قومه كلما مروا به وهو يصنعها استهزأوا به، وتعجبوا من حاله، وقالوا له على سبيل التهكم به، يا نوح صرت نجارا بعد أن كنت نبيا، كما جاء فى بعض الآثار.

السابقالتالي
2