الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

أى من كان يريد بأقواله الحسنة وبأعماله الطيبة على حسب الظاهر، الحصول على الحياة الدنيا وزينتها من مال وجاه ومنصب وغير ذلك من المتع الدنيوية، بدون التفات إلى ما يقربه من ثواب الآخرة. من كانوا يريدون ذلك { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } أى نوصل إليهم - بإرادتنا ومشيئتنا - ثمار جهودهم وأعمالهم فى هذه الدنيا. والتعبير بكان فى قوله { مَن كَانَ يُرِيدُ... } يفيد أنهم مستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم، بدون تطلع إلى خير الآخرة. وعدى الفعل { نوف } بإلى، مع أنه يتعدى بنفسه، لتضمينه معنى نوصل. وقوله - سبحانه - { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } تذييل قصد به تأكيد ما سبقه، وتبيين مظهر من مظاهر عدل الله - تعالى - مع عباده فى دنياهم. والبخس نقص الحق ظلما. يقال بخس فلان فلانا حقه إذا ظلمه ونقصه. أى وهم فى هذه الدنيا لا ينقصون شيئا من نتائج جهودهم وأعمالهم، حتى ولو كانت جهودا لا إخلاص معها ولا إيمان. ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم فى الآخرة فقال { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. أى أولئك الذين أرادوا بأقوالهم وأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها، ليس لهم فى الآخرة إلا النار، لأنهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة فى الدنيا وبقيت عليهم أوزار نياتم السيئة فى الآخرة. { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } أى وفسد ما صنعوه فى الدنيا من أعمال الخير، لأنهم لم يقصدوا بها وجه الله - تعالى - وإنما قصدوا بها الرياء ورضى الناس... وقوله { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أى وباطل فى نفسه ما كانوا يعملونه فى الدنيا من أعمال ظاهرها البر والصلاح، لأنه لا ثمرة له ولا ثواب فى الآخرة لأن الأعمال بالنيات، ونيات هؤلاء المرائين، لم تكن تلتفت إلى ثواب الله، وإنما كانت متجهة اتجاها كليا إلى الحياة الدنيا وزينتها، إلى رضاء المخلوق لا الخالق. وشبيهة بهاتين الآيتين قوله - تعالى -مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } وقوله - تعالى -مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً. وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً. كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً. ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } هذا ومن العلماء من يرى أن هاتين الآيتين مسوقتان فى شأن الكفار ومن على شاكلتهم من الضالة كاليهود والنصارى والمنافقين.

السابقالتالي
2