الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ }

و { أَمْ } هنا منقطعة بمعنى بل التى للإِضراب وهو انتقال المتكلم من غرض إلى آخر والافتراء الكذب المتعمد الذى لا توجد أدنى شبهة لقائله. والمعنى إن هؤلاء المشركين لم يكتفوا بما طلبوه منك يا محمد، بل تجاوزوا ذلك إلى ما هو أشد جرما، وهو قولهم إنك افتريت القرآن الكريم، واخترعته من عند نفسك. وقوله { قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ... } أمر من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويكبت نفوسهم. أى قل لهم يا محمد على سبيل التحدى إن كان الأمر كما تزعمون من أنى قد افتريت هذا القرآن، فأنا واحد منكم وبشر مثلكم فهاتوا أنتم عشر سور مختلقات من عند أنفسكم، تشبه ما جئت به فى حسن النظم، وبراعة الأسلوب، وحكمة المعنى، وادعوا لمعاونتكم فى بلوغ هذا الأمر كل من تتوسمون فيه المعاونة غير الله - تعالى - لأنه هو - سبحانه - القادر على أن يأتى بمثله. وجواب الشرط فى قوله - سبحانه - { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } محذوف دل عليه ما تقدم. أى إن كنتم صادقين فى زعمكم أنى افتريت هذا القرآن، فهاتوا أنتم عشر سور مثله مفتريات من عند أنفسكم. والمتأمل لآيات القرآن الكريم، يرى أن الله - تعالى - قد تحدى المشركين تارة بأن يأتوا بمثله كما فى سورتى الإِسراء والطور. ففى سورة الإسراء يقول - سبحانه -قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } وفى سورة الطور يقول - سبحانه -فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } وتارة تحداهم بأن يأتوا بعشر سور من مثله كما فى هذه السورة، وتارة تحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة من مثله كما فى سورتى البقرة ويونس، ففى سورة البقرةوَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ... } وفى سورة يونس يقول - سبحانه -أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وقد عجزوا عن الإِتيان بمثل أقصر سورة، وهم من هم فى فصاحتهم، فثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى -. وقوله - سبحانه - { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } إرشاد لهؤلاء المشركين إلى طريق الحق والسعادة لو كانوا يعقلون، إذ الخطاب موجه إليهم لعلهم يثوبون إلى الرشد. ***والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الذين تحديتهم أن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن، وأبحث لهم أن يستعينوا فى ذلك بمن شاءوا من البشر، قل لهم فإن لم يستجب لدعوتكم من استعنتم بهم فى الإِتيان بعشر سور من مثل القرآن.

السابقالتالي
2