الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }

أى { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } القصص الذى قصصناه عليك - يا محمد - والمشتمل على بيان سنة الله التى لا تتخلف فى إهلاك الظالمين. { لآية } أى لعبرة عظيمة، وعظة بليغة، وحجة واضحة. { لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } لأنه هو المنتفع بالعبر والعظات لصدق إيمانه، وصفاء نفسه، وإيقانه بأن هناك فى الآخرة ثوابا وعقابا، وحسابا على الأعمال الدنيوية.. أما الذى ينكر الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب، فإنه لا يعتبر بما أصاب الظالمين من عذاب دنيوى دمرهم تدميرا، بل ينسب ذلك إلى طبيعة أو فلكية أو غيرهما، لا علاقة لها بكفرهم وظلمهم وطغيانهم... " لأن الخائف من عذاب الآخرة، عندما يرى ما حل بالمجرمين فى الدنيا من عقاب، يزداد إيمانا على إيمانه، وتصديقا على تصديقه، بأن الله - تعالى - قادر على أن يعذبهم فى الآخرة عذابا أشد وأبقى من عذاب الدنيا... ثم بين - سبحانه - أن يوم القيامة آت لا ريب فيه فقال { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } واسم الإِشارة فى الموضعين، يعود إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر عذاب الآخرة قبل ذلك، واللام فى قوله - سبحانه - { مَّجْمُوعٌ لَّهُ } لام العلة. أى ذلك اليوم وهو يوم القيامة، يوم يجمع الناس فيه لأجل محاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم، ويشهده جميع الخلائق الذين يؤمرون بشهوده، دون أن يغيب منهم أحد قال صاحب الكشاف و { الناس } رفع باسم المفعول الذى هو { مجموع } كما يرفع بفعله إذا قلت يجمع له الناس. فإن قلت لأى فائدة أوثر اسم المفعول على فعله؟ قلت لما فى اسم المفعول من دلالة على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنه يوم لا بد من أن يكون ميعادا مضروبا لجمع الناس له، وأنه الموصوف بذلك صفة لازمة، وهو أثبت - أيضا - لإِسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه. ونظيره قول المهدد إنك لمنهوب مالك، محروب قومك، فيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس فى الفعل... والمراد بالمشهود الذى كثر شاهدوه، ومنه قولهم لفلان مجلس مشهود، وطعام محضور... والغرض من ذلك، وصف هذا اليوم بالهول والعظم وتميزه من بين الأيام، بأنه اليوم الذى يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد... ". ثم قال - تعالى - { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ }. والأجل فى اللغة الوقت المضروب لانتهاء مدة معينة، فأجل الإِنسان هو الوقت المحدد لانقضاء عمره. والمعدود أصله المحسوب، والمراد به هنا المحدد بمدة معينة لا يزيد عليها ولا يتأخر عنها. أى أننا لا نؤخر هذا اليوم إلا لوقت محدد معلوم لنا، فإذا ما جاء موعد هذا الوقت، حل هذا اليوم الهائل الشديد وهو يوم القيامة، الذى اقتضت حكمتنا عدم إطلاع أحد على موعده.

السابقالتالي
2 3 4 5