الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } * { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } * { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } * { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

الإِيلاف مصدر آلفت الشئ إيلافا و " إلفا " إذا لزمته وتعودت عليه. وتقول آلفت فلانا الشئ، إذا ألزمته إياه. والإِيلاف - أيضا - اجتماع الشمل مع الالتئام، ومنه قوله - تعالى -وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً... } ولفظ " إيلاف " مضاف لمفعوله وهو قريش، والفاعل هو الله - تعالى - و " قريش " هم ولد النضر بن كنانه - على الأرجح - وهو الجد الثالث عشر للنبى صلى الله عليه وسلم. قال القرطبى ما ملخصه وأما قريش فهم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس، بن مضر، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشى. وسموا قريشا، لتجمعهم بعد التفرق، إذ التقرش التجمع والالتئام.. أو سموا بذلك لأنهم كانوا تجارا يأكلون من مكاسبهم، والتقرش التكسب، ويقال قرَشَ فلان يقرُشُ قَرْشا - كقتل -، إذا كسب المال وجمعه.. وقوله { إِيلاَفِهِمْ } بدل أو عطف بيان من قوله { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } ، وهو من أسلوب الإِجمال فالتفصيل للعناية بالخبر، ليتمكن فى ذهن السامع كما فى قوله - تعالى -لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ. أَسْبَابَ ٱلسَّمَاوَاتِ... } واللام فى قوله - تعالى - { لإِيلاَفِ... } للتعليل. والجار والمجرور متعلق بقوله - تعالى - { فَلْيَعْبُدُواْ... }. وتقدير الكلام من الواجب على أهل مكة أن يخلصوا العبادة لله - تعالى - لأنه - سبحانه - هو الذى جمعهم بعد تفرق، وألف بينهم، وهيأ لهم رحلتين فيهما ما فيهما من النفع والأمن. وزيدت الفاء فى قوله - تعالى - { فَلْيَعْبُدُواْ... } لما فى الكلام من معنى الشرط، فكأنه - سبحانه - يقول لهم إن لم تعبدونى من أجل نعمى التى لا تحصى، فاعبدونى من أجل أنى جعلتكم تألفون هاتين الرحلتين النافعتين فى أمان واطمئنان، وأنى جمعت شملكم، وألفت بينكم.. قال صاحب الكشاف " لإِيلاف قريش " متعلق بقوله { فَلْيَعْبُدُواْ } أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحتلين. فإن قلت فلم دخلت الفاء؟ قلت لما فى الكلام من معنى الشرط، لأن المعنى إما لا فليعبدوه لإِيلافهم. على معنى أن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لهذه الواحدة التى هى نعمة ظاهرة. وقيل المعنى اعجبوا لإِيلاف قريش. وقيل هو متعلق بما قبله - فى السورة السابقة - أى فجعلهم كعصف مأكول. لإِيلاف قريش، وهذا بمنزلة التضمين فى الشعر، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذى قبله.. وقوله - سبحانه - { رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } بيان لمظهر من مظاهر هذا الإِيلاف الذى منحه - سبحانه - لهم، والرحلة هنا اسم لارتحال القوم من مكان إلى آخر، ولفظ " رحلة " منصوب على أنه مفعول به لقوله { إِيلاَفِهِمْ }.

السابقالتالي
2