الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } * { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } * { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } * { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } * { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } * { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } * { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } * { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ }

الويل لفظ يدل على الذم وعلى طلب العذاب والهلكة.. وقيل اسم لواد فى جهنم. والهُمَزة من الهَمْز، بمعنى الطعن فى أعراض الناس، ورميهم بما يؤذيهم.. واللُّمَزة من اللمز، بمعنى السخرية من الغير، عن طريق الإِشارة باليد أو العين أو غيرهما. قال الجمل الهمزة واللمزة هم المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة الباغون العيب للبرئ، فعلى هذا هما بمعنى واحد. وقيل الهمزة الذى يعيبك فى الغيب، واللمزة الذى يعيبك فى الوجه وقيل العكس. وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى أصل واحد، وهو الطعن وإظهار العيب، ويدخل فى ذلك من يحاكى الناس فى أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه.. ولفظ " ويل " مبتدأ وساغ الابتداء مع كونه نكرة، لأنه دعاء عليهم، وقوله { لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } خبره، وهمزة ولمزة وصفان لموصوف محذوف. أى عذاب شديد، وخزى عظيم، لكل من يطعن فى أعراض الناس، ويغض من شأنهم، ويحقر أعمالهم وصفاتهم، وينسب إليهم ما هم برآء منه من عيوب. والتعبير بقوله { هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } يدل على أن تلك الصفات القبيحة، كانت عادة متأصلة فيهم، لأن اللفظ الذى بزنة فُعَلَة - بضم الفاء وفتح العين - يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ديدنه ودأبه الإِتيان بهذا الوصف، ومنه قولهم فلان ضُحَكة إذا كان يكثر من الضحك. كما أن لفظ " فُعْلَة " - بضم الفاء وسكون العين - يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به، يكثر أن يفعل به ذلك، ومنه قولهم فلان ضُحْكة، إذا كان الناس يكثرون الضحك منه. وقوله - سبحانه - { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } زيادة تشنيع وتقبيح للهمزة اللمزة.. ومعنى " عدده " جعله عدته وذخيرته، وأكثر من عده وإحصائه لحرصه عليه، والجملة الكريمة فى محل نصب على الذم. أى عذاب وهلاك لكل إنسان مكثر من الطعن فى أعراض الناس، ومن صفاته الذميمة أنه فعل ذلك بسبب أنه جمع مالا كثيرا، وأنفق الأوقات الطويلة فى عده مرة بعد أخرى، حبا له وشغفا به وتوهما منه أن هذا المال الكثير هو مناط التفاضل بين الناس. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائى " جمَّع " - بتشديد الميم - وهو مبالغة فى { جمع } بتخفيف الميم. وقوله - تعالى - { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } ، صفة أخرى من صفاته القبيحة، والجملة يصح أن تكون مستأنفة استنئافا بيانيا، جوابا لسؤال مقدر، كأنه قيل ما باله يجمع المال ويهتم به؟ فكان الجواب يحسب أن ماله أخلده. ويصح أن تكون حالا من فاعل " جمع " أى هذا الجاهل المغرور جمع المال وعدده، حالة كونه يظن أن ماله يخلده فى الدنيا، ويجعله فى مأمن من حوادث الدهر.

السابقالتالي
2 3