الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } * { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } * { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } * { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } * { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } * { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

قوله - سبحانه - { أَلْهَاكُمُ } من اللهو وهو الغفلة عن مواطن الخير، والانشغال عما هو نافع. والتكاثر التبارى والتباهى بالكثرة فى شئ مرغوب فيه كالمال والجاه.. أى شغلكم - أيها الناس - التباهى والتفاخر بكثرة الأموال والأولاد والعشيرة، كما ألهاكم حب الدنيا عن القيام بما كلفناكم به.. { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أى بقيتم على هذه الحال، حتى أتاكم الموت، ودفنتم فى قبوركم، وانصرف عنكم أحب الناس إليكم، وبقيتم وحدكم. والخطاب عام لكل عاقل، ويدخل فيه المشركون والفاسقون، الذين آثروا الدنيا على الآخرة دخولا أوليا. فالمراد بزيارة المقابر انتهاء الآجال، والدفن فى القبور بعد الموت. وعبر - سبحانه - عن ذلك بالزيارة. لأن الميت يأتى إلى القبر كالزائر له، ثم بعد ذلك يخرج منه يوم البعث والنشور، للحساب والجزاء، فوجوده فى القبر إنما هو وجود مؤقت بوقت يعلمه الله - تعالى -. وقد روى أن أعرابيا عندما سمع هذه الآية قال بعثوا ورب الكعبة، فقيل له كيف ذلك؟ فقال لأن الزائر لابد أن يرتحل. وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن التهالك على حطام الدنيا، فى أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم فى صحيحه " عن عبد الله بن الشَّخِّير قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالى مالى، وهل لك من مالك يابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت ". وقوله - تعالى - { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ردع وزجر عن الانشغال عن طاعة الله، وعن التكاثر بالأموال والأولاد. وكرر لفظ " كلا " ثلاث مرات فى هذه السورة، لتأكيد هذا الزجر والردع عن كل ما يشغل الإِنسان عن وجوه الخير والبر. والتبعير بقوله { سَوْفَ } لزيادة الزجر، ولتحقيق حصول العلم، وحذف مفعول { تَعْلَمُونَ } لظهوره من المقام. أى اتركوا التشاغل بالدنيا والتفاخر بالأموال، فإنكم إن بقيتم على ذلك بدون توبة صادقة، فسوف تعرفون سوء عاقبة ذلك معرفة لا يخامرها شك، ولا يفارقها ريب. وجملة { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } مؤكدة تأكيدا لفظيا للجملة التى قبلها، وهذا التأكيد المقصود منه المبالغة فى الردع والزجر والتحذير من التكاثر والتفاخر.. ثم أضاف - سبحانه - إلى كل ما سبق من تحذيرات، زواجر أخرى فقال { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ }.. وجواب " لو " محذوف لقصد التهويل، و " اليقين " فعيل بمعنى مفعول، وعلم اليقين هو العلم الجازم المطابق للواقع الذى لا شك فيه. والإِضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة، أو من إضافة العام إلى الخاص.

السابقالتالي
2