الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } * { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } * { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } * { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } * { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } * { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } * { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } * { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } * { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ }

العاديات جمع عادية، اسم فاعل من العدو، وهو المشى السريع، وأصل الياء فى العاديات واو، فلما وقعت متطرفة بعد كسرة قلبت ياء، مثل الغازيات من الغزو. والضَّبْح اضطراب النَّفَسِ المتردد فى الحنجرة دون أن يخرج من الفم، والمراد به هنا صوت أنفاس الخيل عند جريها بسرعة. وقيل الضج نوع من السير والعدو، يقال ضَبَحَتْ الخيل، إذا عدَتْ بشدة. وهو مصدر منصوب بفعله المقدر، أى يضبحن ضبحا، والجملة حال من " العاديات ". والموريات جمع مُورِيَة، اسم فاعل من الإِيراء، وهو إخراج النار، تقول أَوْرَى فلان، إذا أخرج النار بزند ونحوه. والقَدْح ضَرْب شىءٍ بشىء لكى يخرج من بينهما شرر النار. والمراد به هنا النار التى تخرج من أثر احتكاك حوافر الخيل بالحجارة خلال عدوها بسرعة. و { قَدْحاً } منصوب بفعل محذوف، أى تقدحن قدحا. و { فَٱلْمُغِيرَاتِ } جمع مغيرة. وفعله أغار، تقول أغار فلان على فلان، إذا باغته بفعل يؤذيه. و { صبحا } منصوب على الظرفية. وقوله { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } أى هيجن وأثرن " النقع " أى الغبار من شدة الجرى. تقول أثرت الغبار أثيره، إذا هيجته وحركته. والنون فى " أثرن " ضمير العاديات. وقوله { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } أى فتوسطن فى ذلك الوقت جموع الأعداء، ففرقنها، ومزقنها، تقول وسَطْتُ القومَ أسِطُهم وَسْطاً، إذا صرت فى وسطهم. والمراد بالعاديات، والموريات، والمغيرات خيل المجاهدين فى سبيل الله، والكلام على حذف الموصوف. والمعنى وحق الخيل التى يعتلى صهواتها المجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله - تعالى -. والتى تجرى بهم فى ساحات القتال، فيسمع صوت أنفاسها، والتى تظهر شرر النار من أثر صك حوافرها بالحجارة وما يشبهها والتى تغير على العدو فى وقت الصباح، فتثير الغبار، وتمزق جموع الأعداء. وحق هذه الخيل الموصوفة بتلك الصفات.. { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ }. وقد أقسم - سبحانه - بالخيل المستعملة للجهاد فى سبيله، للتنبيه على فضلها، وفضل ربطها، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية، ولما يترتب على استعمالها فى تلك الأغراض من أجر وغنيمة، ومن ترويع لجموع المشركين، وتمزيق لصفوفهم. وأسند - سبحانه - الإِغارة إليها - مع أنها فى الحقيقة لراكبيها -، لأن الخيول هى عدة الإِغارة، وهى على رأس الوسائل لبلوغ النصر على الأعداء. وقيل المراد بالعاديات الإِبل، إلا أن الأوصاف المذكورة فى الآيات الكريمة من الضج والإِغارة.. تؤيد أن المراد بها الخيل. قال صاحب الكشاف أقسم - سبحانه - بخيل الغزاة تعدو فتضبح. والضبح صوت أنفاسها إذا عدون. فإن قلت علام عطف " فأثرن "؟ قلت على الفعل الذى وضع اسم الفاعل موضعه، وهو قوله { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } وذلك لصحة عطف الفعل على الاسم الذى يشبه الفعل كاسم الفاعل - لأن المعنى واللائى عدون، فأورين، فأغرن.

السابقالتالي
2 3