الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

والمراد { مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } هنا ما أوحاه الله - تعالى - إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قصص حكيم يتعلق بأنبياء الله - تعالى - ورسله. قال الآلوسى " وخصت القصص بالذكر، لأن الأحكام المنزلة عليه - صلى الله عليه وسلم - ناسخة لأحكامهم، ومخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها ". والمراد بالكتاب جنسه فيشمل التوراة والإِنجيل. والمعنى فإن كنت أيها الرسول الكريم - على سبيل الفرض والتقدير - فى شك مما أنزلنا إليك من قصص حكيم كقصة موسى ونوح وغيرهما { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } وهم علماء أهل الكتاب، فإن ما قصصناه عليك ثابت فى كتبهم. فليس المراد من هذه الآية ثبوت الشك للرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنما المراد على سبيل الفرض والتقدير، لا على سبيل الثبوت. قال ابن كثير " قال قتادة بن دعامة بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " لا أشك ولا أسأل ". وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصرى، وهذا فيه تثبيت للأمة، وإعلام لهم بأن صفة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - موجودة فى الكتب المتقدمة التى بأيدى أهل الكتاب، كما قال - تعالى -ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ... } وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى شأن عيسى - عليه السلام -أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ... } فعيسى - عليه السلام - يعلم علم اليقين أنه لم يقل ذلك، وإنما يفرض قوله فرضا. ليستدل عليه بأنه لو قاله لعلمه الله - تعالى - منه. أى إن كنت قلته - على سبيل الفرض والتقدير - فقولى هذا لا يخفى عليك. قال صاحب الكشاف ما ملخصه فإن قلت كيف قال الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ... }؟ قلت هو على سبيل الفرض والتمثيل. كأنه قيل فإن وقع لك شك - مثلا - وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ }. والمعنى أن الله - عز وجل - قدم ذكر بنى إسرائيل، وهم قرأة الكتاب ووصفهم بأن العلم قد جاءهم، لأن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكتوب عندهم فى التوراة والإِنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن، وصحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويبالغ فى ذلك فقال فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا.

السابقالتالي
2 3