الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

والزينة اسم لما يتزين به الإِنسان من ألوان اللباس وأوانى الطعام والشراب، ووسائل الركوب.. وغير ذلك مما يستعمله الإِنسان فى زينته ورفاهيته. والمال يشمل أصناف الزينة، ويشمل غير ذلك مما يتملكه الإِنسان. والمعنى وقال موسى - عليه السلام - مخاطبا ربه، بعد أن فقد الأمل فى إصلاح فرعون وملئه يا ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه وأصحاب الرياسات منهم، الكثير من مظاهر الزينة والرفاهية والتنعم، كما أعطيتهم الكثير من الأموال فى هذه الحياة الدنيا. وهذا العطاء الجزيل لهم قد يضعف الإِيمان فى بعض النفوس، إما بالإِغراء الذى يحدثه مظهر النعمة فى نفوس الناظرين إليها، وإما بالترهيب الذى يملكه هؤلاء المنعمون، بحيث يصيرون قادرين على إذِلال غيرهم. واللام فى قوله { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } لام العاقبة والصيرورة أى أعطيتهم ما أعطيتهم من الزينة والمال، ليخلصوا لك العبادة والطاعة، وليقابلوا هذا العطاء بالشكر، ولكنهم لم يفعلوا بل قابلوا هذه النعم بالجحود والبطر، فكانت عاقبة أمرهم الخسران والضلال، فأزل يا مولانا هذه النعم من بين أيديهم. قال القرطبى " اختلف فى هذه اللام، وأصح ما قيل فيها - وهو قول الخليل وسيبويه - أنها لام العاقبة والصيرورة، وفى الخبر " إن لله - تعالى - ملكا ينادى كل يوم لدوا للموت وابنو للخراب " أى لما كان عاقبة أمرهم إلى الضلال، صار كأنه أعطاهم ليضلوا ". وقال صاحب المنار " قوله { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } أى لتكون عاقبة هذا العطاء إضلال عبادك عن سبيلك الموصلة إلى مرضاتك باتباع الحق والعدل والعمل الصالح، ذلك لأن الزينة سبب الكبر والخيلاء والطغيان على الناس، وكثرة الأموال تمكنهم من ذلك وتخضع رقاب الناس لهم، كما قال - تعالى -إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ. أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } فاللام فى قوله { لِيُضِلُّواْ } تسمى لام العاقبة والصيرورة، وهى الدالة على أن ما بعدها أثر وغاية فعلية لمتعلقها، يترتب عليه بالفعل لا بالسببية، ولا بقصد فاعل الفعل الذى تتعلق به كقوله - تعالى -فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً... } ومنهم من يرى أن هذه اللام للتعليل، والفعل منصوب بها، فيكون المعنى وقال موسى مخاطبا ربه يا ربنا إنك قد أعطيت فرعون وملأه زينة وأموالا فى الحياة الدنيا، وإنك يا ربنا قد أعطيتهم ذلك على سبيل الاستدراج ليزدادوا طغيانا على طغيانهم، ثم تأخذهم أخذ عزيز مقتدر. وشبيه بهذه الجملة فى هذا المعنى قوله - تعالى -وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } وقد رجح هذا المعنى الإِمام ابن جرير فقال " والصواب من القول فى ذلك عندى أنها لام كىْ، ومعنى الكلام ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه، ويضلوا عن سبيلك عبادك عقوبة منك لهم، وهذا كما قال جل ثناؤه

السابقالتالي
2 3