الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } * { فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }

أى وقال فرعون لخاصته بعد أن رأى من موسى الإصرار على دعوته ودعوة قومه إلى عبادة الله وحده، وبعد أن شاهد عصاه وقد تحولت إلى ثعبان مبين. قال فرعون لخاصته بعد أن رأى كل ذلك من موسى - عليه السلام - { ٱئْتُونِي } أيها الملأ { بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } أى بكل ساحر من أفراد مملكتى تكون عنده المهارة التامة فى فن السحر، والخبرة الواسعة بطرقه وأساليبه. وقوله { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ... } معطوف على كلام محذوف يستدعيه المقام والتقدير، فامتثال القوم أمر فرعون وأسرعوا فى إحضار السحرة، فلما جاءوا والتقوا بموسى - عليه السلام - وخيروه بقولهإِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } على سبيل التحدى { أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } من ألوان سحركم، ليرى الناس حقيقة فعلكم، وليميزوا بين حقى وباطلكم. { فَلَمَّآ أَلْقُواْ } أى فلما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم. { قَالَ } لهم { مُوسَىٰ } على سبيل السخرية مما صنعوه. { مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أى قال لهم موسى أيها السحرة، إن الذى جئتم به هو السحر بعينه، وليس الذى جئت به أنا مما وصفه فرعون وملؤه بأنه سحر مبين. وإن الذى جئتم به سيمحقه الله ويزيل أثره من النفوس، عن طريق ما أمرنى الله به - سبحانه - من إلقاء عصاى، فقد جرت سنته - سبحانه - أنه لايصلح عمل الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون وصنيعكم هذا هو من نوع الإِفساد وليس من نوع الإِصلاح. وقوله { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } تأكيد لسنة الله - تعالى - فى تنازع الحق والباطل، والصلاح والفساد. أى أنه جرت سنة الله تعالى - أن لا يصلح عمل المفسدين، بل يمحقه ويبطله، وأنه - سبحانه - يحق الحق أى يثبته ويقويه ويؤيده { بِكَلِمَاتِهِ } النافذة، وقضائه الذى لا يرد، ووعده الذى لا يتخلف { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } ذلك لأن كراهيتهم لإِحقاق الحق وإبطال الباطل، لا تعطيل مشيئة الله، ولا تحول بين تنفيذ آياته وكلماته وقد كان الأمر كذلك فقد أوحى الله إلى موسىأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ثم انتقلت السورة الكريمة للحديث عن جانب مما دار بين موسى - عليه السلام - وبين قومه بنى إسرائيل، إثر الحديث عن جابر مما دار بينه وبين فرعون وملئه وسحرته فقال - تعالى - { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ... }