الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } * { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ }

قال الإِمام الرازى " اعلم أنه - سبحانه - لما بالغ فى تقرير الدلائل والبينات وفى الجواب عن الشبه والسؤالات، شرع بعد ذلك فى بيان بعض قصص الأنبياء - عليهم السلام - لوجوه أحدها أن الكلام إذا طال فى تقرير نوع من أنواع العلوم، فربما حصل نوع من أنواع الملالة، فإذا انتقل الإِنسان من ذلك الفن من العلم إلى فن آخر، انشرح صدره، ووجد فى نفسه رغبة جديدة. وثانيها ليكون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه، أسوة بمن سلف من الأنبياء، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع أن معاملة الكفار لأنبيائهم سيئة.. خف ذلك على قلبه، لأن المصيبة إذا عمت خفت. وثالثها أن الكفار إذا سمعوا هذه القصص، وعلموا أن العاقبة للمتقين كان ذلك سببا فى انكسار قلوبهم، ووقوع الخوف والوجل فى نفوسهم. وحينئذ يقلعون عن أنواع الإِيذاء والسفاهة... ". ونوح - عليه السلام - واحد من أولى العزم من الرسل، وينتهى نسبه إلى شيث بن آدم - عليه السلام - وقد ذكر فى القرآن فى ثلاثة وأربعين موضعا. وكان قومه يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم نوحاً ليدلهم على طريق الرشاد. وقد تكررت قصته مع قومه فى سورة الأعراف، وهود، والمؤمنون، ونوح.. بصورة أكثر تفضيلاً. أما هنا فى سورة يونس فقد جاءت بصورة مجملة، لأن الغرض منها هنا، إبراز جانب التحدى من نوع لقومه، بعد أن مكث فيهم زماناً طويلاً، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة غيره. والمعنى واتل - يا محمد - على مسامع هؤلاء المشركين الذين مردوا على افتراء الكذب، نبأ نوح - عليه السلام - مع قومه المغترين بأموالهم وكثرتهم ليتدبروا ما فى هذا النبأ من عظات وعبر. وليعلموا أن سنة الله - تعالى - قد اقتضت أن يجعل العاقبة للمتقين. والمقصود من هذه التلاوة، دعوة مشركى مكة وأمثالهم، إلى التدبر فيما جرى للظالمين من قبلهم، لعلهم بسبب هذا التدبر والتأمل يثوبون إلى رشدهم ويتبعون الدين الحق الذى جاءهم به نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقوله { يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ.. } بيان لما قاله لهم بعد أن مكث فيهم زمنا طويلا،، وسمع منهم ما سمع من استهزاء بدعوته،، وتطاول على أتباعه. أى قال نوح لقومه بعد أن دعاهم ليلا ونهارا يا قوم إن كان { كَبُرَ عَلَيْكُمْ }. أى شق وعظم عليكم { مَّقَامِي } فيكم ووجودى بين أظهركم عمرا طويلا { وَتَذْكِيرِي } إياكم بآيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته،، والتى تستلزم منكم إخلاص العبادة له والشكر لنعمه.

السابقالتالي
2 3 4 5