الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ }

ففى هاتين الآيتين - كما يقول الآلوسى - تنبيه على الاستدلال على وجوده - تعالى - ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته. بآثار صنيعه فى النيرين بعد التنبيه على الاستدلال بما مر، وبيان لبعض أفراد التدبير الذى أشير إليه إشارة إجمالية، وإرشاد إلى أنه - سبحانه - حين دبر أمورهم المتعلقة بمعاشهم هذا التدبير البديع، فلأن يدبر مصالحهم المتعلقة بمعادهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب أولى وأحرى ". وقوله { جعل } يجوز أن يكون بمعنى أنشأ وأبدع، فيكون لفظ { ضياء } حال من المفعول، ويجوز أن يكون بمعنى صير فيكون اللفظ المذكور مفعولا ثانيا. وقوله { ضياء } جمع ضوء كسوط وسياط، وحوض حياض، وقيل هو مصدر ضاء يضوء ضياء كقام يقوم قياما، وصام يصوم صياما، وعلى كلا الوجهين فالكلام على حذف مضاف. والمعنى الله - تعالى - وحده هو الذى جعل لكم الشمس ذات ضياء، وجعل لكم القمر ذا نور، لكى تنتفعوا بهما فى مختلف شئونكم. قال الجمل " وخص الشمس بالضياء لأنه أقوى وأكمل من النور، وخص القمر بالنور لأنه أضعف من الضياء ولأنهما إذا تساويا لم يعرف الليل من النهار، فدل ذلك على أن الضياء المختص بالشمس أكمل وأقوى من النور المختص بالقمر ". هذا دليل. ومما يدل على التفرقة بين الشمس والقمر فى نورهما قوله - تعالى -وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } وقوله - سبحانه -تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } وقوله { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } معطوف على ما قبله. والتقدير جعل الشىء أو الأشياء على مقادير مخصوصة فى الزمان أو المكان أو غيرهما قال - تعالى -وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } المنازل جمع منزل، وهى أماكن النزول، وهى - كما يقول بعضهم - ثمانية وعشرون منزلا، وتنقسم إلى اثنى عشر برجا وهى الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدى، والدلو، والحوت، لكل برج منها منزلان وثلث منزل، وينزل القمر فى كل ليلة منزلا منها إلى انقضاء ثمانية وعشرين. ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما، ويستتر ليلة واحدة إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما. والضمير فى قوله { وقَدَّرَهُ } يعود إلى القمر، كما فى قوله - تعالى -وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } أى والله - تعالى - هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا، وقدر للقمر منازل ينزل فيها فى كل ليلة على هيئة خاصة، وطريقة بديعة تدل على قدرة الله وحكمته. قالوا وكانت عودة الضمير إلى القمر وحده، لسرعة سيره بالنسبة إلى الشمس ولأن منازله معلومة محسوسة، ولأنه العمدة فى تواريخ العرب، ولأن أحكام الشرع منوطة به فى الأغلب.

السابقالتالي
2