الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

وقوله " أرأيتم " بمعنى أخبرونى. وكلمة أرأيت تستعمل فى القرآن للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل، فهو استفهام للتنبيه مؤداه أرأيت كذا أو عرفته؟ إن لم تكن أبصرته أو عرفته فانظره وتأمله وأخبرنى عنه. ولما كانت الرؤية للشىء سببا لمعرفته وللإِخبار عنه، أطلق السبب وأريد المسبب فهو مجاز مرسل علاقته السببية والمسببية. وقوله بياتا أى ليلا، ومنه البيت لأنه يبات فيه. يقال بات يبيت بيتا وبياتا. والمعنى أخبرونى أيها الجاهلون الحمقى أى دافع جعلكم تستعجلون نزول العذاب؟ إن وقوع العذاب سواء أكان بالليل أم بالنهار لا يمكن دفعه، ولا يمكن أن يتعجله عاقل، لأنه - كما يقول صاحب الكشاف - كل مكروه، مر المذاق، موجب للنفار منه، فكيف ساغ لكم أن تستعجلوا نزول شىء فيه هلاككم ومضرتكم؟!! وقال - سبحانه - { بياتا } ولم يقل ليلا، للإِشعار بمجئ العذاب فى وقت غفلتهم ونومهم بحيث لا يشعرون به، فهم قد يقضون جانبا من الليل فى اللهو واللعب، ثم ينامون فيأتيهم العذاب فى هذا الوقت الذى هجعوا فيه. فالآية الكريمة توبيخ لهم على استعجالهم وقوع شىء من شأن العقلاء أنهم يرجون عدم وقوعه. ولذا قال القرطبى " قوله { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } استفهام معناه التهويل والتعظيم. أى ما أعظم ما يستعجلون به. كما يقال لمن يطلب أمرا تستوخم عاقبته ماذا تجنى على نفسك ". وجواب الشرط لقوله { إِنْ أَتَاكُمْ... } محذوف والتقدير إن أتاكم عذابه فى أحد هذين الوقتين أفزعكم وأهلككم فلماذا تستعجلون وقوع شىء هذه نتائجه؟ وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر بعد أن ذكر هذا الوجه فقال فإن قلت فهلا قيل ماذا يستعجلون منه؟ قلت أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإِجرام، لأن من شأن المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ - فضلا عن أن يستعجله - ويجوز أن يكون { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ماذا تطعمنى. وقوله - سبحانه - { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ... } زيادة فى تجهيلهم وتأنيبهم والهمزة داخلة على محذوف، و { ثم } حرف عطف يدل على الترتيب والتراخى وجىء به هنا للدلالة على زيادة الاستبعاد. والمعنى إنكم أيها الجاهلون لستم بصادقين فيما تطلبون، لأنكم قبل وقوع العذاب تتعجلون وقوعه، فإذا ما وقع وشاهدتم أهواله. وذقتم مرارته.. آمنتم بأنه حق، وتحول استهزاؤكم به إلى تصديق وإذعان وتحسر. وقوله { الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } قصد به زيادة إيلامهم وحسرتهم ولفظ { الآنَ } ظرف زمان يدل على الحال الحاضرة، وهو فى محل نصب على أنه ظرف لفعل مقدر. أى قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب الآن آمنتم بأنه حق؟ مع أنكم قبل ذلك كنتم به تستهزئون، وتقولون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأتباعه

السابقالتالي
2 3