الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } * { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

وقوله - سبحانه - { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } بيان لأحوالهم السيئة عند جمعهم لحساب يوم القيامة. إذ الحشر - كما يقول الراغب - إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها ". والمراد به هنا إخراج الناس من قبورهم وجمعهم فى الموقف لحسابهم على أعمالهم الدنيوية. والمقصود بالساعة هنا المدة القليلة من الزمان، فقد جرت العادة أن يضرب بها المثل فى الوقت القصير. والمعنى واذكر يا أيها الرسول الكريم، وذكرهؤلاء المشركين الذين عموا وصموا عن الحق، يوم يجمعهم الله - فى الآخرة للحساب والعقاب، فيشتد كربهم، وينسون تلك الملذات والشهوات.. التي استمتعوا بها فى الدنيا، حتى لكأنهم لم يلبثوا فيها وفى قبورهم، إلا ساعة من النهار أى إلا مدة قصيرة من النهار، يتعارفون بينهم، أى لا تتسع تلك المدة إلا للتعارف فيما بينهم. وقوله { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤا } جملة حالية من ضمير الجمع فى يحشرهم. وخصت الساعة بكونها من النهار، لأنها أعرف لهم من ساعات الليل. والمقصود بالتشبيه بيان أن هذه السنوات الطويلة التى قضاها هؤلاء المشركون فى الدنيا يتمتعون بلهوها ولعبها، ويستبعدون معها أن هناك بعثا وحسابا.. قد زالت عن ذاكرتهم فى يوم القيامة، حتى لكأنهم لم يمكثوا فيها سوى وقت قصير لا يتسع لأكثر من التعارف القليل مع الأقارب والجيران والأصدقاء، حتى لكأن ذلك النعيم الذى تقلبوا فيه دهراً طويلا لم يروه من قبل... وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى سورة الأحقافكَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } وقوله - سبحانه، فى سورة الروموَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } فإن قيل إن هناك بعض الآيات ذكرت أنهم عندما يسألون يحسبون بأنهم لبثوا فى الدنيا يوما أو بعض يوم، أو عشية أو ضحاها كما فى قوله - تعالى -قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فى ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وكما فى قوله - تعالى -كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } فكيف نجمع بين هذه الآيات التى اختلفت إجابتهم فيها؟ فالجواب أن أهل الموقف يختلفون فى تقدير الزمن الذى لبثوه فى الدنيا على حسب اختلاف أحوالهم، وعلى حسب أهوال كل موقف، فإن فى يوم القيامة مواقف متعددة بعضها أشد من بعض. وقوله { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } جملة حالية أيضا من ضمير الجمع فى يحشرهم. قال القرطبى " وهذا التعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض أنت أضللتنى وأغويتنى وحملتنى على الكفر، وليس تعارف شفقة ورحمة وعطف... والصحيح أنه لا ينقطع هذا التعارف التوبيخى عند مشاهدة أهوال القيامة، لقوله - تعالى -

السابقالتالي
2 3 4