الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }

أى قل يا محمد لهؤلاء الغافلين عن الحق هل من شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله، أو أشركتموهم مع الله، من له القدرة على أن يبدأ خلق الإِنسان من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة... ثم ينشئه خلقا آخر، ثم يعيده إلى الحياة مرى أخرى بعد موته؟ قل لهم يا محمد الله وحده هو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده، أما شركاؤكم فهم أعجز من أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له... وإذا كان الأمر كذلك من الوضوح والظهور { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } والإِفك الصرف والقلب عن الشىء. يقال أفكه عن الشىء يأفكه أفكا، إذا قلبه عنه وصرفه. أى فكيف ساغ لكم أن تصرفوا عقولكم عن عبادة الإِله الحق، إلى عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر؟! وجاءت جملة { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ... } بدون حرف العطف على ما قبلها للإِيذان باستقلالها فى الحصول المطلوب، وإثبات المقصود. وساق - سبحانه - الأدلة بأسلوب السؤال والاستفهام، لأن الكلام إذا كان واضحا جليا ثم ذكر على سبيل الاستفهام، وتفويض الجواب إلى المسئول كان ذلك أبلغ وأوقع فى القلب. وجعل - سبحانه - إعادة المخلوقات بعد موتها حجة عليهم فى التدليل على قدرته مع عدم اعترافهم بها، للإِيذان بسطوع أدلتها، لأن القادر على البدء يكون أقدر على الإِعادة كما قال - تعالى -وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.. } فلما كان إنكارهم لهذه الحقيقة الواضحة من باب العناد أو المكابرة، نزل إنكارهم لها منزلة العدم. وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله " فإن قلت كيف قيل لهم هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده، وهم غير معترفين بالإِعادة؟ قلت قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن دفعه دافع كان مكابرا رادا الظاهر البين الذى لا مدخل للشبهة فيه، ودلالة على أنهم فى إنكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء. وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - { قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } فأمره بأن ينوب عنهم فى الجواب. يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فتكلم أنت عنهم.. " وقوله { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقّ }. حجة أخرى تدمغ جهلهم، جىء بها لتكون دليلا على قدرة الله على الهداية والإِضلال، عقب إقامة الأدلة على قدرته - سبحانه - على بدء الخلق وإعادتهم. أى قل لهم يا محمد - أيضا - على سبيل التهكم من أفكارهم هل من شركائكم من يستطيع أن يهدى غيره إلى الدين الحق، فينزل كتاباً، أو يرسل رسولا، أو يشرع شريعة، أو يضع نظاما دقيقا لهذا الكون.

السابقالتالي
2 3