الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

والمعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين من الذى يرزقكم من السماء بالأمطار وما يتولد عنها، ومن الأرض وما يخرج منها من نباتات وأشجار، وغير ذلك مما تخرجه الأرض. وقوله { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } أى بل قل لهم - أيضا - من الذى يملك ما تتمتعون به من سمع وبصر، ومن الذى يستطيع خلقهما وتسويتهما بالطريقة التى أوجدها - سبحانه. وخص هاتين الحاستين بالذكر، لأن لهما أعظم الأثر فى حياة الإِنسان، ولأنهما قد اشتملتا فى تركيبهما على ما بهر العقول، ويشهد بقدرته - تعالى - وعجيب صنعه فى خلقه. و { أم } هنا منقطعة بمعنى بل، وهى هنا للإِضراب الانتقالى لا الإِبطالى، وفيه تنبيه على كفاية هذا الاستفهام فى الدلالة على المقصود، وهو إثبات قدرة الله - تعالى - ووجوب إخلاص العبادة له. وقوله { وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } دليل ثالث على قدرة الله ووحدانيته. أى وقيل لهم كذلك من سوى الله - تعالى - يملك إخراج النبات وهو كائن حى من الأرض الميتة، وإخراج الإِنسان وهو كائن حى من النطفة وبالعكس، وإخراج الطير من البيضة وبالعكس. وقوله { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } دليل رابع على قدرة الله ووحدانيته أى وقل لهم - أيضاً - من الذى يتولى تدبير أمر هذا الكون من إحياء وأماتة، وصحة ومرض، وغنى وفقر، وليل ونهار، وشمس وقمر ونجوم... هذه الجملة الكريمة من باب التعميم بعد التخصيص، لأن كل ما سبق من نعم يندرج فيها. وقوله { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } حكاية للجواب الذى لا يستطيعون إنكاره، لأنهم مقرون معترفون بأن الله - تعالى - وهو الذى خلقهم، وهو الذى يدبر أمرهم، وإنما كانوا يتخذون الشركاء للزلفى، كما حكى القرآن عنهم فى قولهوَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ.. } وفى قوله - سبحانه - حكاية عنهممَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ... } ولفظ الجلالة مبتدأ، والخبر محذوف والتقدير فسيقولون الله وحده هو الذى فعل كل ذلك. وقوله { فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أمر من الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يرد عليهم بهذا الرد. والهمزة لإِنكار واقعهم الذميم، وهى داخلة على كلام مقدر، ومفعول تتقون محذوف. أى أتعلمون وتعترفون بأن الله - تعالى - هو الخالق لكل ما سبق، ومع ذلك تشركون معه آلهة فى العبادة، دون أن تتقوا عذابه يوم القيامة؟ إن مسلكك هذا إنما يدل على ضعف فى التفكير، وانطماس فى العقول، وجهالة ليس بعدها جهالة. ثم أرشدهم - سبحانه - إلى الطريق القويم لو كانوا يعقلون فقال { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ... } أى فذلكم الذى فعل ما فعل من رزقكم ومن تدبير أمركم، هو الله المربى لكم بنعمه، وهو الذى لا تحق العبودية والألوهية إلا له وحده.

السابقالتالي
2