الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

قال الإِمام الرازى ما ملخصه " اعلم أنه - تعالى - لما حكى عن الكفار أنهم تعجبوا من الوحى والبعثة والرسالة ثم إنه - تعالى - أزال ذلك التعجب بأنه لا يبعد ألبتة فى أن يبعث خالق الخلق إليهم رسولا يبشرهم وينذرهم.. كان هذا الجواب إنما يتم بإثبات أمرين أحدهما إثبات أن لهذا العالم إلها قاهرا قادرا، نافذ الحكم بالأمر والنهى. والثانى إثبات الحشر والنشر والبعث والقيامة، حتى يحصل الثواب والعقاب اللذان أخبر الأنبياء عن حصولهما. فلا جرم أنه - سبحانه - ذكر فى هذا الموضع ما يدل على تحقيق هذين المطلوبين. أما الأول وهو إثبات الألوهية فبقوله - تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ... }. وأما الثانى فهو إثبات المعاد والحشر والنشر بقوله { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً... }. فثبت أن هذا الترتيب فى غاية الحسن. ونهاية الكمال ". والمعنى إن ربكم ومالك أمركم - الذى عجبتم من أن يرسل إليكم رسولا منكم هو الذى خلق السماوات والأرض فى مقدار ستة أيام أى أوقات. فالمراد من اليوم معناه اللغوى وهو مطلق الوقت. وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن تلك الأيام من أيام الآخرة التى يوم منها كألف سنة مما تعدون. قال الآلوسى " وقيل هى مقدار ستة أيام من أيام الدنيا وهو الأنسب بالمقام، لما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة بخلق هذه الأجرام العظيمة فى مثل تلك المدة اليسيرة، ولأنه تعريف لنا بما نعرفه ". وقال بعض العلماء " ولا ندخل فى تحديد هذه الأيام الستة، فهى لم تذكر هنا لنتجه إلى تحديد مداها ونوعها، وإنما ذكرت لبيان حكمة التدبير والتقدير فى الخلق حسب مقتضيات الغاية من هذا الخلق، وتهيئته لبلوغ هذه الغاية. وعلى أية حال فالأيام الستة غيب من غيب الله، الذى لا مصدر لإِدراكه إلا هذا المصدر، فعلينا أن نقف عنده ولا نتعداه، والمقصود بذكرها هو الإِشارة إلى حكمة التقدير والتدبير والنظام الذى يسير مع الكون من بدئه إلى منتهاه ". وقال سعيد بن جبير كان الله قادرا على أن يخلق السماوات والأرض فى لمحة ولحظة. ولكنه - سبحانه - خلقهن فى ستة أيام، لكى يعلم عباده التثبت والتأنى فى الأمور. وقوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } معطوف على ما قبله، لتأكيد مزيد قدرته وعظمته - سبحانه -. والاستواء من معانيه اللغوية الاستقرار، ومنه قوله - تعالى -وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِي } أى استقرت، ومن معانيه - أيضاً - الاستيلاء والقهر والسلطان، ومنه قول الشاعر قد استوى بشر على العراق أى استولى عليه. وعرش الله - كما قال الراغب - مما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم وليس كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له - تعالى الله عن ذلك - لا محمولا ".

السابقالتالي
2 3 4