الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

والمقصود بدار السلام الجنة التى أعدها الله - تعالى - لعباده المؤمنين، وسميت بذلك، لأنها الدار التى سلم أهلها من كل ألم وآفة. أو لأن تحيتهم فيها سلام، أو لأن السلام من أسماء الله - تعالى - فأضيفت إليه تعظيما لشأنها، وتشريفا لقدرها، كما يقال للكعبة بيت الله. وقوله { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ... } معطوف على محذوف يدل عليه السياق. والتقدير الشيطان يدعوكم إلى إيثار متاع الحياة الدنيا وزخرفها، والله - تعالى - يدعو الناس جميعا إلى الإِيمان الحق الذى يوصلهم إلى دار كرامته. وقوله { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو المؤدى بصاحبه إلى رضوان الله ومغفرته. والمراد بالصراط المستقيم الدين الحق الذى شرعه الله لعباده. وبلغه لهم عن طريق نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقوله { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ... } بيان لحسن عاقبة الذين استجابوا لدعوته، واتبعوا صراطه المستقيم. أى للمؤمنين الصادقين الذين قدموا فى دنياهم الأعمال الصالحة، المنزلة الحسنى، والمئوية الحسنى وهى الجنة، ولهم زيادة على ذلك التفضل من الله - تعالى - عليهم بالنظر إلى وجهه الكريم. وتفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم، مأثور عن جمع من الصحابة منهم أبو بكر، وعلى بن أبى طالب، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعرى وغيرهم - رضى الله عنهم. ومستندهم فى ذلك الأحاديث النبوية التى وردت فى هذا الشأن والتى منها ما أخرجه مسلم فى صحيحه عن صهيب - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ... }. وقال " " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا. يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم ". وذكر بعضهم أن المراد بالزيادة هنا " مضاعفة الحسنات بعشر أمثالها أو أكثر أو مغفرته - سبحانه - ما فرط منهم فى الدنيا، ورضوانه عليهم فى الآخرة ". والحق أن التفسير الوارد عن الصحابة. والمؤيد بما جاء فى الأحاديث النبوية هو الواجب الاتباع، ولا يصح العدول عنه. ولا مانع من أن يمن الله عليهم بما يمن من مضاعفة الحسنات ومن المغفرة والرضوان، بعد نظرهم إلى وجهه الكريم، أو قبل ذلك. ولذا قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه قوله " { وزيادة } هى تضعيف ثواب الأعمال.. وأفضل من ذلك النظر إلى وجهه الكريم. فإنه زيادة أعظم من جميع ما يعطوه.

السابقالتالي
2 3