الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قال صاحب المنار " هاتان الآيتان فى بيان شأن من شئون البشر وغرائزهم فيما يعرض لهم فى حياتهم الدنيا من خير وشر، ونفع وضر، وشعورهم بالحاجة إلى الله - تعالى - واللجوء إلى دعائه لأنفسهم وعليها، واستعجالهم الأمور قبل أوانها وهو تعريض بالمشركين، وحجة على ما يأتون من شرك وما ينكرون من أمر البعث، متمم لما قبله، ولذلك عطف عليه. وقوله { يعجل } من التعجيل بمعنى طلب الشىء قبل وقته المحدد له والاستعجال طلب التعجيل بالشىء. والأجل الوقت المحدد لانقضاء المدة. وأجل الإِنسان هو الوقت المضروب لانتهاء عمره. والمراد بالناس هنا - عند عدد من المفسرين - المشركون الذين وصفهم الله - تعالى - قبل ذلك بأنهم لا يرجون لقاءه ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها. ولقد حكى القرآن فى كثير من آياته، أن المشركين قد استعجلوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى نزول العذاب، ومن ذلك قوله - تعالى -وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } وقوله - تعالى -وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } والمعنى ولو يعجل الله - تعالى - لهؤلاء المشركين العقوبة التى طلبوها، تعجيلا مثل استعجالهم الحصول على الخير { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } أى لأميتوا وأهلكوا جميعاً، ولكن الله - تعالى - الرحيم بخلقه، الحكيم فى أفعاله، لا يعجل لهم العقوبة التى طلبوها كما يعجل لهم طلب الخير لحكمة هو يعلمها فقد يكون من بين هؤلاء المتعجلين للعقوبة من يدخل فى الإِسلام، ويتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال الإِمام الرازى " فقد بين - سبحانه - فى هذه الآية أنهم لا مصلحة لهم فى تعجيل إيصال الشر إليهم، لأنه - تعالى - " لو أوصل ذلك العقاب إليهم لماتوا وهلكوا، ولا صلاح فى إماتتهم، فربما آمنوا بعد ذلك، وربما خرج من أصلابهم من كان مؤمناً، وذلك يقتضى أن لا يعاجلهم بإيصال ذلك الشر ". ومن العلماء من يرى أن المراد بالناس هنا ما يشمل المشركين وغيرهم، وأن الآية الكريمة تحكى لونا من ألوان لطف الله بعباده ورحمته بهم. ومن المفسرين الذين اقتصروا على هذا الاتجاه فى تفسيرهم الإِمام ابن كثير، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية يخبر - تعالى - عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم أو أولادهم بالشر فى حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والسخاء، ولهذا قال { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ.

السابقالتالي
2 3 4