الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

والمعنى { قُلْ } أيها الرسول الكريم، لجميع من ارتاب فى دينك. { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } الذى جئتكم به من عند الله - تعالى -، وترغبون فى تحويلى عنه، فاعلموا أنى برئ من شككم ومن أديانكم التى أنتم عليها. وما دام الأمر كذلك، فأنا " لا أعبد الذين تعبدون من دون الله " من آلهة باطلة فى حال من الأحوال. { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ } - تعالى - الذى خلقكم و { ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } عند انقضاء آجالكم، ويعاقبكم على كفركم. وقوله { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِين } تأكيد لإِخلاص عبادته - صلى الله عليه وسلم - لله وحده. أى وأمرت من قبل خالقى - عز وجل - بأن أكون من المؤمنين بأنه لا معبود بحق سواه. وأوثر الخطاب باسم الجنس " الناس " مع تصديره بحرف التنبيه، تعميما للخطاب، وإظهارا لكمال العناية بشأن المبلغ إليهم. وعبر عن شكهم " بإن " المفيدة لعدم اليقين، مع أنهم قد شكوا فعلا فى صحة هذا الدين بدليل عدم إيمانهم به، تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه، وتنزيها لساحة هذا الدين عن أن يتحقق الشك فيه من أى أحد، وتوبيخا لهم على وضعهم الأمور فى غير مواضعها. وقدم - سبحانه - ترك عبادة الغير على عبادته - عز وجل -، إيذانا بمخالفتهم من أول الأمر، ولتقديم التخلية على التحلية. وتخصيص التوفى بالذكر، للتهديد والترهيب، أى ولكن أعبد الله الذى يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد، ولأنه أشد الأحوال مهابة فى القلوب. وقوله { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً... } معطوف على قوله { أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. و { حنيفا } حال من الدين أو من الوجه، والحنيف هو المائل عن كل دين من الأديان إلى دين الإِسلام. وخص الوجه بالذكر، لأنه أشرف الأعضاء. والمعنى أن الله - سبحانه - أمره بالاستقامة فى الدين. والثبات عليه، وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال. قال الآلوسى " إقامة الوجه للدين، كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته - تعالى -، والإِعراض عما سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شىء نظر استقصاء، يقيم وجهه فى مقابلته، بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا، إذ لو التفت بطلت المقابلة، فلذا كنى به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين، فالمراد بالوجه الذات. أى " اصرف ذاتك وكليتك للدين... ". وقوله - تعالى - { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } تأكيد للأمر بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده. وهو معطوف على { أقم }. أى استقم على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده واثبت على ذلك، ولا تكونن من الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى.

السابقالتالي
2 3