الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } * { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قال القرطبى ما ملخصه " روى فى قصة يونس - عليه السلام - عن جماعة من المفسرين، أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل - بالعراق - وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإِسلام، وترك ما هم عليه فأبوا، فقيل إنه قام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم. فقيل له أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ففعل. وقالوا هو رجل لا يكذب فارقبوه، فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم، ون ارتحل عنكم، فهو نزول العذاب لا شك.. فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم، فأصبحوا فلم يجدوه، فآمنوا وتابوا، ودعوا الله ولبسوا المسوح، وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردوا المظالم.. قال الزجاج إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأوا العلامة التى تدل على العذاب، ولو رأوا العذاب لما نفعهم الإِيمان ". وكلمة { لولا } فى قوله - سبحانه - { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ... } للحث والتحضيض، فهى بمعنى هلا. والمقصود بالقرية أهلها وهم أقوام الأنبياء السابقين، وهى اسم كان. وقوله { آمنت } خبرها. وقوله { فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } معطوف على { آمنت }. والمعنى فهلا عاد المكذبون إلى رشدهم وصوابهم، فآمنوا بالحق الذى جاءتهم به رسلهم، فنجوا بذلك من عذاب الاستئصال الذى حل بهم فقطع دابرهم، كما نجا منه قوم يونس - عليه السلام - فإنهم عندما رأوا أمارات العذاب الذى أنذرهم به نبيهم آمنوا وصدقوا، فكشف الله عنهم هذا العذاب الذى كاد ينزل بهم، ومتعهم بالحياة المقدرة لهم، إلى حين انقضاء آجالهم فى هذه الدنيا. قال الإِمام الشوكانى والاستثناء بقوله { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ.. } منقطع، وهو استثناء من القرية لأن المراد أهلها. والمعنى فهلا قرية واحدة من القرى التى أهلكناها آمنت إيمانا معتدا به - وذلك بأن يكون خالصا لله - قبل معاينة العذاب، ولم تؤخره كما أخره فرعون، لكن قوم يونس " لما آمنوا " إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب، أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم " كشفنا عنهم عذاب الخزى " أى الذل والهوان. وقيل يجوز أن يكون متصلا، والجملة فى معنى النفى، كأنه قيل " ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس... " وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه " وما يرويه بعض المفسرين هنا من أن العذاب نزل عليهم، وجعل يدور على رءوسهم.. ونحو هذا، ليس له أصل لا فى القرآن ولا فى السنة... وفى الآية إشارة إلى أنه لم توجد قرية آمنت بأجمعها بنبيها المرسل إليها من سائر القرى، سوى قوم يونس. والبقية دأبهم التكذيب، كلهم أو أكثرهم، كما قال - تعالى -

السابقالتالي
2 3 4