الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قال الإِمام الرازى " اعلم أنه - تعالى - لما أقام الدلائل على صحة القول بإثبات الإِله القادر الرحيم الحكيم، وعلى صحة القول بالمعاد والحشر والنشر، شرع بعده فى شرح أحوال من يكفر بها وفى شرح أحوال من يؤمن بها ". والمراد بلقائه - سبحانه - الرجوع إليه يوم القيامة للحساب والجزاء. والمعنى إن الذين لا يرجون ولا يتوقعون لقاءنا يوم القيامة لحسابهم على أعمالهم فى الدنيا { وَرَضُواْ بِٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } رضاء جعلهم لا يفكرون إلا فى التشبع من زينتها ومتعها، وأطمأنوا بها، اطمئنانا صيرهم يفرحون بها ويسكنون إليها { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا } التنزيلية والكونية الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا { غافلون } بحيث لا يخطر على بالهم شىء مما تدل عليه هذه الآيات من عبر وعظات. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هؤلاء الأشقياء بأربع صفات ذميمة. وصفهم - أولا - بعدم الرجاء فى لقاء الله - بأن صاروا لا يطمعون فى ثواب، ولا يخافون من عقاب، لإِنكار الدار الآخرة. ووصفهم - ثانيا - بأنهم رضوا بالحياة الدنيا، بأن أصبح همهم محصورا فيها، وفى لذائذها وشهواتها. قال الإِمام الرازى " واعلم أن الصفة الأولى إشارة إلى خلو قلبه عن اللذات الروحانية، وفراغه عن طلب السعادات الحاصلة بالمعارف الربانية، وأما هذه الصفة الثانية فهى إشارة إلى من استغرقه الله فى طلب اللذات الجسمانية واكتفائه بها، واستغراقه فى طلبها ". ووصفهم - ثالثا - بأنهم اطمأنوا بهذه الحياة، اطمئنان الشخص إلى الشىء الذى لا ملاذ له سواه، فإذا كان السعداء يطمئنون إلى ذكر الله، فإن هؤلاء الأشقياء ماتت قلوبهم عن كل خير، وصارت لا تطمئن إلا إلى زينة الحياة الدنيا. ووصفهم - رابعا - بالغفلة عن آيات الله التى توقظ القلب، وتهدى العقل، وتحفز النفس إلى التفكير والتدبير. وبالجملة فهذه الصفات الأربعة تدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الأشقياء قد آثروا دنياهم على أخراهم، واستحبوا الضلالة على الهدى، واستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير. فماذا كان مصيرهم كما بينه - سبحانه - فى قوله { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }. أى أولئك المتصفون بتلك الصفات الخسيسة، مقرهم وملجأهم الذى يلجأون إليه النار وبئس القرار، بسبب ما اجترحوه من سيئات وما اقترفوه من منكرات. هذه هى صفات هؤلاء الأشقياء، وذلك هو جزاؤهم العادل، أما السعداء فقد بين الله - تعالى - بعد ذلك صفاتهم وثوابهم فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ }. أى آمنو بما يجب الإِيمان به، وعملوا فى دنياهم الأعمال الصالحة التى ترفع درجاتهم عند ربهم. { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } أى يرشدهم ربهم ويوصلهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح إلى غايتهم وهى الجنة.

السابقالتالي
2 3