الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }

الضمير في أنزلناه للقرآن قطعاً.

وحكى الألوسي عليه الإجماع، وقال: ما يفيد أن هناك قولاً ضعيفاً لا يعتبر من أنه لجبريل.

وما قاله عن الضعف لهذا القول، يشهد له السياق، وهو قوله تعالى:تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } [القدر: 4].

والمشهور: أن الروح هنا هو جبريل عليه السلام، فيكون الضمير في أنزلنا لغيره، وجيء بضمير الغيبة، تعظيماً لشأن القرآن، وإشعاراً بعلو قدره.

وقد يقال: ذكر سورة القدر قبلها مشعرة به في قوله:ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [العلق: 1]، ثم جاءت { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } [القدر: 1]، أي القرآن المقروء، والضمير المتصل في إنا، ونا في إنا أنزلناه مستعمل للجمع وللتعظيم، ومثلها نحن، وقد اجتمعا في قوله تعالى:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]، والمراد بهما هنا التعظيم قطعاً لاستحالة التعدد أو إرادة معنى الجمع.

فقد صرح في موضع آخر باللفظ الصريح في قوله تعالى:ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } [الزمر: 23]، والمراد به القرآن قطعاً، فدل على أن المراد بتلك الضمائر تعظيم الله تعالى.

وقد يشعر بذلك المعنى وبالاختصاص تقديم الضمير المتصل إنا، وهذا المقام مقام تعظيم واختصاص لله تعالى سبحانه، ومثلهإِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } [الكوثر: 1]، وقوله:إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً } [نوح: 1]،إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ } [ق: 43]، وإنزال القرآن منة عظمى.

وقد دل تعظيم المنة وتعظيم الله سبحانه في قوله:كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ } [ص: 29]، فقال: كتاب أنزلناه بضمير التعظيم، ثم قال في وصف الكتاب: مبارك.

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه التنصيص على أنه للتعظيم عند الكلام على آية صۤ هذهكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ } [ص: 29].

والواقع أنه جاءت الضمائر بالنسبة إلى الله تعالى بصيغ الجمع للتعظيم وبصيغ الإفراد، فمن صيغ الجمع ما تقدم، ومن صيغ الإفراد قوله:إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، وقوله:إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } [ص: 71]، وقوله:إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 30].

ويلاحظ في صيغ الإفراد: أنها في مواضع التعظيم والإجلال، كالأول في مقام خلق البشر من طين، ولا يقدر عليه إلا الله.

والثاني: في مقام أنه يعلم ما لا تعلمه الملائكة، وهذا لا يكون إلا لله سبحانه، فسواء جيء بضمير بصيغة الجمع أو الإفراد، ففيها كلها تعظيم لله سبحانه وتعالى سواء بنصها، وأصل الوضع أو بالقرينة في السياق.

ثم اختلف في المُنزلِ ليلة القدر، هل هو الكل أو البعض؟

فقيل: وهو رأي الجمهور أنه أوائل تلك السورة فقط أي بداية الوحي بالقرآن، وهو مروي عن ابن عباس، قال: " ثم تتالى نزول الوحي، بعد ذلك وكان بين أوله وآخره عشرون سنة ".

وقيل: المنزل في تلك الليلة، هو جميع القرآن جملة واحدة، وكله إلى سماء الدنيا، ثم صار ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجماً حسب الوقائع.

السابقالتالي
2 3