الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }

ذكر تعالى هنا ثلاث مسائل: شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر.

وهي وإن كانت مصدرة بالاستفهام، فهو استفهام تقريري لتقرير الإثبات، فقوله تعالى { أَلَمْ نَشْرَحْ } بمعنى شرحنا على المبدأ المعروف، من أن نفي إثبات. وذلك لأن همزة الاستفهام وهي فيها معنى النفي دخلت على لم وهي للنفي، فترافعا فبقي الفعل مثبتاً،. قالوا: ومثله قوله تعالى:أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36]. وقوله:قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } [الشعراء: 18].

وعليه قول الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا   وأندى العالمين بطون راح
فتقرر بذلك أنه تعالى يعدد عليه نعمة العظمى، وقد ذكرنا سابقاً ارتباط هذه السورة بالتي قبلها في تتمة نعم الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم.

وروى النيسابوري عن عطاء وعمر بن عبد العزيز: أنهما كانا يقولان: هذه السورة وسورة الضحى سورة واحدة، وكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة، وما كانا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم والذي دعاهما إلى ذلك هو قوله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } كالعطف على قوله:أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً } [الضحى: 6]، ورد هذا الادعاء -أي من كونهما سورة واحدة- وعلى كل فإن هذا إذا لم يجعلهما سورة واحدة فإنه يجعلهما مرتبطتين. معاً في المعنى، كما في الأنفال والتوبة.

واختلف في معنى شرح الصدر، إلاَّ أنه لا منافاة فيما قالوا، وكلها يكمل بعضها بعضاً.

فقيل: هو شق الصدر سواء كان مرة أو أكثر، وغسله وملؤه إيماناً وحكمه، كما في رواية مالك بن صعصعة في ليلة الإسراء، ورواية أبي هريرة في غيرها.

وفيه كما في رواية أحمد: أنه شق صدره وأخرج منه الغل والحسد، في شيء كهيئة العلقة، وأدخلت الرأفة والرحمة.

وقيل: شرح الصدر، إنما هو توسيعه للمعرفة والإيمان ومعرفة الحق، وجعل قلبه وعاء للحكمة.

وفي البخاري عن ابن عباس " شرح الله صدره للإسلام ".

وعند ابن كثير: نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً، كقولهفَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [الأنعام: 125].

والذي يشهد له القرآن: أن الشرح هو الانشراح والارتياح. وهذه حالة نتيجة استقرار الإيمان والمعرفة والنور والحكمة. كما في قوله تعالى:أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [الزمر: 22]، فقوله: فهو على نور من ربه: بيان لشرح الصدر للإسلام.

كما أن ضيق الصدر، دليل على الضلال، كما في نفس الآيةوَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } [الأنعام: 125] الآية.

وفي حاشية الشيخ زادة علي البيضاوي قال: لم يشرح صدر أحد من العالمين، كما شرح صدره عليه السلام، حتى وسع علوم الأولين والآخرين فقال: " أوتيت جوامع الكلم " ا هـ.

ومراده بعلوم الأولين والآخرين، ما جاء في القرآن من أخبار الأمم الماضية مع رسلهم وأخبار المعاد، وما بينه وبين ذلك مما علمه الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4 5