الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }

في تلك الآيات العشر يقسم الله تعالى سبع مرات بسبع آيات كونية، هي الشمس، والقمر، والليل، والنهار، والسماء، والأرض، والنفس البشرية، مع حالة لكل مقسم به، وذلك على شيء واحد، وهو فلاح من زكى تلك النفس وخيبة من دساها، ومع كل آية جاء القسم بها توجيهاً إلى أثرها العظيم المشاهد الملموس، الدال على القدرة الباهرة.

وذلك كالآتي أولاً: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس: 1] فالشمس وحدها آية دالة على قدرة خالقها، لما فيها من طاقة حرارية في ذاتها تفوق كل تقدير، وهي على الزمان بدون انتقاص، فهي في ذاتها آية.

ثم جاء وصف أثرها وهو: ضحاها، وهو انتشار ضوئها ضحوة النهار، وهذا وحده آية، لأن نتيجة لحركتها، وحركتها آية من آيات الله كما قال تعالى:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [يس: 37-38]، وهي الآية التي حاج بها إبراهيم عليه السلام نمروذ في قوله:فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ } [البقرة: 258].

ففي هذا السير قدرة باهرة ودقة متناهية، وضحاها: نتيجة لهذا السير، ثم ضحاها نعم جزيلة على الكون كله، من انتشار في الأرض وانتفاع بضوئها وأشعتها.

وقد قالوا: لو اقتربت درجة أو ارتفعت درجة لما استطاع أحد أن ينتفع منها بشيء، لأنها تحرق باقترابها، ويتجمد العالم من بعدها، ذلك تقدير العزيز العليم.

فالضحى وحده آية وهو حرها كقوله:وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُاْ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } [طه: 119]، أي بحرّ الشمس، وقد أقسم تعالى بالضحى وحده في قوله تعالى:وَٱلضُّحَىٰ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [الضحى: 1-2].

وقوله: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } [الشمس: 2]، فهو كذلك القمر وحده آية، وكذلك تلوه للشمس ونظام مسيره بهذه الدقة، وهذا النظام فلا يسبقها ولا تفوته:لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40].

وفي قوله تعالى: { إِذَا تَلاَهَا } أي تلا الشمس، دلالة على سير الجميع، وأنها سابقته وهو تاليها.

فقيل: تاليها عند أول الشهر تغرب، ويظهر من مكان غروبها.

وقد قال بعض أهل الهيأة: تاليها في منزلة الحجم، أي كبرى وهو كبير بعدها في الحجم، وفيه نظر.

ولا يخفى ما في القمر من فوائد للخليفة، من تخفيف ظلمة الليل، وكذلك بعض الخصائص على الزرع، وأهم خصائصه بين الشهور بتقسيم السنة ومعرفة العبادات من صوم، وحج، وزكاة، وعدد النساء، وكفارات بصوم، وحلول الديون، وشروط المعاملات، وفي كل ما له صلة بالحساب في عبادة أو معاملة.

وقد جاء القسم بالقمر في المدثر في قوله:كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ * وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } [المدثر: 32-33] الآية، وقولهوَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } [الانشقاق: 18]، ما يدل على عظمة آيته ودقة دلالته.

السابقالتالي
2 3 4 5