الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } * { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } * { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } * { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } * { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } * { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ }

الكلام في { هَلْ } هنا، كالكلام في { هَلْ } التي في أول سورة الإنسان، أنها استفهامية أو أنها بمعنى قد؟

ورجّح أبو السعود وغيره أنها استفهامية للفت النظر وشدة التعجب والتنويه، بشأن هذا الحديث، وهو مروي عن ابن عباس قال: رضي الله عنه: " لم يكن أتاه فأخبره به " وحديث الغاشية هو خبرها الذي يتحدث عنها.

والغاشية قال أبو حيان: أصلها في اللغة: الداهية تغشى الناس، واختلف في المراد بها هنا، فقيل: يوم القيامة.

وقيل: النار. واستدل كل قائل بنصوص. فمن الأول قوله:يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ } [العنكبوت: 55].

قال الفخر الرازي. وإنما سميت القيامة بها الاسم، لأن ما أحاط بالشيء من جميع جهاته فهو غاش له، والقيامة كذلك من وجوه. الأول، أنها ترد على الخلق بغتة، وهو كقوله:أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } [يوسف: 107].

والثاني: أنها تغشى الناس جميعاً من الأولين والآخرين.

والثالث: أنها تغشى الناس بالأهوال والشدائد.

ومن استدلالهم على أنها النار، قوله تعالى:وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } [إبراهيم: 50].

وقيل الغاشية: أهل النار يغشونها أي يدخلونها، فالغاشية كالدافة في حديث الأضاحي.

وقال الطبري: والراجح عندي أن الله تعالى أطلق ليعم، فيجب أن تطلق ليعم أيضاً.

والذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم: أنها في عموم القيامة وليس في خصوص النار، فالنار من أهوال ودواهي القيامة، وهو ما يشهد له القرآن في هذا السياق من عدة وجوه، ومنها: أنه جاء بعدها قوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } [الغاشية: 2]، ويوم أنسب للقيامة منه للنار.

ومنها: التصريح بعد ذلك، بأن من كانت تلك صفاتهم تصلى ناراً حامية، مما يدل على أن الغاشية شيء آخر سوى النار الحامية.

ومنها: أن التعميم ليوم القيامة يشمل جميع الخلائق، وهو الأنسب بالموقف، ثم ينجي الله الذين اتقوا.

وقد بين الله تعالى قسيم هذا الصنف، منا يدل على أن الحديث المراد إلغاؤه، إنما هو عن حالة عموم الموقف.

قوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } الآيات.

اتفقوا على أن يومئذٍ، يعنى يوم القيامة.

وقال ابن حيان: والتنوين فيه تنوين فيه تنوين عوض. وهو تنوين عوض عن جملة، ولم تتقدم جملة تصلح أن يكون التنوين عوضاً عنها، ولكن لما تقدم لفظ الغاشية.

وأل موصولة باسم الفاعل، فتنحل للتي غشيت أي للداهية التي غشيت، فالتنوين عوض من هذه الجملة التي انحل لفظ الغاشية إليها، وإلى الموصول الذي هو التي، وهذا مما يرجح ويؤيد ما قدمناه، من أن الغاشية هي القيامة. وجوه يومئذٍ خاشعة، بمعنى ذليلة.

قال أبو السعود: وهذا وما بعده وقع جواباً عن سؤال، نشا من الاستفهام التشويقي المتقدم، كأنه قيل من جانبه صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3 4 5