أصل الطرق في اللغة: الدق، ومنه المطرقة، ولذا قالوا للآتي ليلاً: طارق، لأنه يحتاج إلى طرق الباب. وعليه قول امرئ القيس:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فألهيتها عن ذي تمائم محول
أي جئتها ليلاً، وقول الآخر:
ألم ترياني كلما جئت طارقاً
وجدت بها طيباً وإن لم تطيب
وقول جرير:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا
وَقت الزيارة فارجعي بسلام
وفي الحديث: " أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن " ، فهو لفظ عم في كل ما يأتي شيئة المفاجئ، ولكأنه يأتي في حالة غير متوقعة، ولكنه هنا خص بما فسر به بعده قي قوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } [الطارق: 2-3]. فقيل: ما يثقب الشياطين عند استراق السمع، كما تقدم في قوله تعالى:{ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [الجن: 9]، فيكون عاماً في كل نجم. وقيل: خاص، فقيل: زحل وقيل: المريخ، وقيل الثريا، لأنه إذا أطلق النجم عند العرب، كان مراداً به الثريا. وتقدم هذا للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في أول سورة النجم. وقيل: الثاقب المضيء، يثقب الظلام بضوئه، وعليه فهو للجنس عامة، لأن النجوم كلها مضيئة. قال القرطبي، وقال سفيان: كل ما في القرآن وما أدراك فقد أخبره به، وكل شيء قال فيه: وما فيه يدريك، لم يخبره به. والواقع أنه الغالب، فقد جاءت: " وما أدراك " ثلاث عشرة مرة، كلها أخبره إلاَّ واحدة، وهي في الحاقة{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } [الحاقة: 3] وما عداها، فقد أخبره بها، وهي:{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } [المدثر: 27-28]. وفي المرسلات{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [المرسلات: 14]. وفي الانفطار:{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الانفطار: 17]، إلى قوله{ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } [الانفطار: 19]. وفي المطففين:{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [المطففين: 8-9]. وفي البلد:{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ } [البلد: 12-13]. وفي القدر:{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر: 2-3]. وفي القارعة:{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } [القارعة: 3]. وأيضاً:{ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة: 9-10]، وفي هذه السورة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } [الطارق: 2-3]، فكلها أخبره عنها إلاّ في الحاقة. تنبيه يلاحظ أنها كلها في قصار السور من الحاقة وما بعدها، أما ما يدريك، فقد جاءت ثلاث مرات فقط،{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [الأحزاب: 63]، في الأحزاب،{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [الشورى: 17]، في الشورى،{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [عبس: 3] في عبس وتولى، فلم يخبره فيبها صراحة، إلاّ أنه في الثالثة قد يكون أخبره لأنه قال { لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } فهو وإن لم يصرِّح هل هو تزكى أم لا، إلاّ أن لعل من الله تعالى للتحقيق، كما هو معلوم. تنبيه آخر قال كثير من المفسرين: أقسم الله بالسماء، وبالنجم الطارق لعظم أمرها، وكبر خلقهما كما في قوله:{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة: 75-76]، ولأنه أقسم بالنجم إذا هوى. وفيما تقدم للشيخ رحمه الله تعالى علينا وعليه ترجيح كون مواقع النجوم،{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [النجم: 1]: إنما هو نجوم القرآن وتنزيله منجماً وهو به نزول الملك به على النَّبي صلى الله عليه وسلم.