الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }

أصل الطرق في اللغة: الدق، ومنه المطرقة، ولذا قالوا للآتي ليلاً: طارق، لأنه يحتاج إلى طرق الباب.

وعليه قول امرئ القيس:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع   فألهيتها عن ذي تمائم محول
أي جئتها ليلاً، وقول الآخر:
ألم ترياني كلما جئت طارقاً   وجدت بها طيباً وإن لم تطيب
وقول جرير:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا   وَقت الزيارة فارجعي بسلام
وفي الحديث: " أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن " ، فهو لفظ عم في كل ما يأتي شيئة المفاجئ، ولكأنه يأتي في حالة غير متوقعة، ولكنه هنا خص بما فسر به بعده قي قوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } [الطارق: 2-3].

فقيل: ما يثقب الشياطين عند استراق السمع، كما تقدم في قوله تعالى:فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [الجن: 9]، فيكون عاماً في كل نجم.

وقيل: خاص، فقيل: زحل وقيل: المريخ، وقيل الثريا، لأنه إذا أطلق النجم عند العرب، كان مراداً به الثريا.

وتقدم هذا للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في أول سورة النجم.

وقيل: الثاقب المضيء، يثقب الظلام بضوئه، وعليه فهو للجنس عامة، لأن النجوم كلها مضيئة.

قال القرطبي، وقال سفيان: كل ما في القرآن وما أدراك فقد أخبره به، وكل شيء قال فيه: وما فيه يدريك، لم يخبره به.

والواقع أنه الغالب، فقد جاءت: " وما أدراك " ثلاث عشرة مرة، كلها أخبره إلاَّ واحدة، وهي في الحاقةوَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } [الحاقة: 3] وما عداها، فقد أخبره بها، وهي:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } [المدثر: 27-28].

وفي المرسلاتوَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [المرسلات: 14].

وفي الانفطار:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الانفطار: 17]، إلى قولهيَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } [الانفطار: 19].

وفي المطففين:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [المطففين: 8-9].

وفي البلد:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ } [البلد: 12-13].

وفي القدر:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر: 2-3].

وفي القارعة:وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } [القارعة: 3].

وأيضاً:فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة: 9-10]، وفي هذه السورة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } [الطارق: 2-3]، فكلها أخبره عنها إلاّ في الحاقة.

تنبيه

يلاحظ أنها كلها في قصار السور من الحاقة وما بعدها، أما ما يدريك، فقد جاءت ثلاث مرات فقط،وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [الأحزاب: 63]، في الأحزاب،وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [الشورى: 17]، في الشورى،وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [عبس: 3] في عبس وتولى، فلم يخبره فيبها صراحة، إلاّ أنه في الثالثة قد يكون أخبره لأنه قال { لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } فهو وإن لم يصرِّح هل هو تزكى أم لا، إلاّ أن لعل من الله تعالى للتحقيق، كما هو معلوم.

تنبيه آخر

قال كثير من المفسرين: أقسم الله بالسماء، وبالنجم الطارق لعظم أمرها، وكبر خلقهما كما في قوله:فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة: 75-76]، ولأنه أقسم بالنجم إذا هوى.

وفيما تقدم للشيخ رحمه الله تعالى علينا وعليه ترجيح كون مواقع النجوم،وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [النجم: 1]: إنما هو نجوم القرآن وتنزيله منجماً وهو به نزول الملك به على النَّبي صلى الله عليه وسلم.