الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } * { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ }

قال أبو حيان، وجواب القسم في قوله تعالى:وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [البروج: 1] قيل: محذوف، فقيل: لتبعثن ونحوه، وقيل: مذكور، فقيل: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ونحوه، وقيل: قتل، وهذا نختاره، وحذفت اللام أي لقتل وحسن حذفها كما حسن في قوله:وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس: 1]، ثم قال:قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [الشمس: 9] أي لقد أفلح، ويكون الجواب دليلاً على لعنة الله على من فعل ذلك، وتنبيهاً لكفار قريش الذين يؤذون المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم.

وإذا كان قتل هي الجواب فهي جملة خبرية، وإذا كان الجواب غيرها في جملة إنشائية، دعاء عليهم.

وقرئ: قتل بالتشديد، قرأها الحسن وابن مقسم، وقرأها الجمهور بالتخفيف 1هـ.

والأخدود: جمع خد، وهو الشق في الأرض طويلاً. وقوله: { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } الوقود بالضم وبالفتح، والقراءة بالفتح كالسحور، والوضوء. فبالفتح ما توقد كصبور والماء المتوضأ به والطعام المتسحر به، وبالضم المصدر، والفعل والوقود بالضم ما توقد به.

ذكر صاحب القاموس، والنار ذات الوقود: بدل من الأخدود.

وقيل في معناها: عدة أقوال، حتى قال أبو حيان: كسلت عن نقلها.

ونقل الفخر الرازي ثلاثة منها.

والمشهور عند ابن كثير ما رواه أحمد ومسلم: أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع لي غلاماً لأعلِّمه السحر، فدفع إليه غلاماً كان يعلمه السحر، وكان بين الساحر والملك راهب، فأتى الغلام الراهب فسمع من كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر ضربه، وقال ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا أراد الساحر ضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك، فقل: حبسني الساحر: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة عظيمة فظيعة قد حبست الناس، فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحبّ إلى الله أمر الساحر؟ قال: فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبُّ إليَّك وأرضى من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة، حتى يجوز الناس ورماها فقتلها، ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك، فقال: أي بني أنت أفضل مني، إنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليّ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس أعمى فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: اشفني. فقال: ما أنا أشفي أحداً، إنما يشفي الله عزَّ وجلَّ، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا الله فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان من ردَّ عليك بصرك؟ فقال: ربي، فقال: أنا. قال: لا، ربي وربك الله، قال: ولك رب غيري؟ قال: نعم، ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دلّه على الغلام، فبعث إليه فقال: أي بني بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص، وهذه الأدواء، فقال: أما أنا لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل، قال: أنا. قالا: لا، قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله فأخذه أيضاً بالعذاب حتى دل على الراهب فأوتي بالراهب فقيل: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرقه أيضاً، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلاَّ فدهدهوه، فذهبوا به فلما علموا به الجبل، فال: اللَّهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فبعث به نفراً إلى البحر في فرفور، فقال: إذا لججتم به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فأغرقوه، فقال الغلام: اللَّهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا هم، وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي ثم قل: بسم الله رب الغلام، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني ففعل، ووضع السهم في قوسه ورماه به في صدغه، فوضع الغلام يده في موضع السهم ومات، فقال الناس آمنا برب الغلام، فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر، فقد والله وقع بك: قد آمن الناس كلهم فأمر بأفواه السكك، فخدت فيها الأخاديد وأُضرِمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلاَّ فأقحموه فيها قال: فكانوا يتعادون ويتدافعون، فجاءت امرأة بابنٍ لها ترضعه فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي، اصبري يا أماه فإنك على الحق "

السابقالتالي
2 3