الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ }

الشفق: لغة: رقة الشيء.

قال القرطبي: يقال شيء شفيق، أي لا تماسك له لرقته، وأشفق عليه أي رق قلبه عليه، والشفقة الاسم من الإشفاق وهو رقة القلب، وكذلك الشفق.

قال الشاعر:
تهوى حَياتي وأهوى موتها شفقاً   والموت أكرم نزال على الحرم
فالشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها، فكأن تلك الرقة من ضوء الشمس.

ونقل عن الخليل: الشفق: الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة إذا ذهب، قيل: غاب الشفق. اهـ.

وهذا ما عليه الأئمة الثلاثة في توقيت وقت المغرب من غروب الشمس إلى غياب الشفق، وهو الحمرة بعد الغروب، كما قال الخليل.

وعند أبي حنيفة رحمه الله: أن الشفق هو البياض الذي بعده.

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في بيان أوقات الصلوات الخمس عند قوله تعالى:فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [الروم: 17-18]، ورجح أن الشفق: الحمرة.

ونقل القرطبي قولاً، قال: وزعم الحكماء أن البياض لا يغيب أصلاً.

وقال الخليل: صعدت منارة الإسكندرية فرمقت البياض فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب.

وقال ابن أويس: رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر، ثم قال: قال علماؤنا: فلما لم يتجدد وقته سقط اعتباره. ا هـ.

فهو بهذا يرجح مذهب الجمهور في معنى الشفق، والنصوص في ذلك من السنة فيها مقال.

فقد روى الدارقطني حديثاً مرفوعاً: " الشفق الحمرة "

وتكلم عليه الشوكاني ثم ذكر من يقول به من الصحابة وهم ابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعبادة. ومن الأئمة: الشافعي، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو سيف ومحمد، من الفقهاء، والخليل والفراء من أهل اللغة.

فأنت ترى أن أبا يوسف ومحمداً من أصحاب أبي حنيفة وافقا الجمهور.

وفي شرح الهداية أيضاً: رواية عن أبي حنيفة.

أما ما ذكره القرطبي ففيه نظر، أي من جهة عدم غياب البياض، فإن المعروف عند علماء الفلك أن بين الأحمر والأبيض مقدار درجتين، والدرجة تعادل أربع دقائق، وعليه فالفرق بسيط، والله تعالى أعلم.

وقوله: { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } [الانشقاق: 17]، هو الجمع والضم للشيء الكثير، ومنه سمي الوسق بمقدار معين من مكيل الحب، وهو ستون صاعاً. وقيل: فيه معان أخرى، ولكن هذا أرجحها.

والمعنى هنا: والليل وما جمعه من المخلوقات. قيل: كأنه أقسم بكل شيء كقوله تعالى:فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } [الحاقة: 38- 39].

وقوله: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } ، أي اتسع أي تكامل نوره، وهو افتعل من وسق، والقاعدة الصرفية أن فاء الفعل المثالي، أي الذي فؤه واو، إذا بني على افتعل تقلب الواو تاء وتدغم التاء في التاء، كما في: وصلته فاتصل ووزنته فاتزن، أو تصل أو تزن، وهكذا هنا أو تسق.

السابقالتالي
2