الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } * { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

تقريع وتوبيخ لهؤلاء الناس، وفيه مسألتان:

الأولى: أن الباعث على هذا العمل هو عدم اليقين بالبعث أو اليقين موجود، لكنهم يعملون على غير الموقنين أي غير مبالين، كما قال الشاعر في مثل ذلك، وهو ما يسمى في البلاغة بلازم الفائدة:
جاء شَقيق عارضاً رمحه   إن بَني عمك فيهم رماح
فالمتكلم يعلم أن شقيقاً عالم بوجود الرماح في بني عمه، وأنهم مستعدون للحرب معه، ولكنه رأى منه عدم المبالاة وعدم الاستعداد، بأن وضع رمحه أمامه معترضاً فهو بمنزلة من لا يؤمن بوجود الرماح في بني عمه، وهو لم يرد بكلامه معه أن يخبره بأمر يجهله، ولكنه أراد أن ينبهه لما يجب عليه فعله من التأهب والاستعداد، وهكذا هنا، وهذا عام في كل مسوف ومتساهل كما جاء: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " إلخ.

إي وهو مؤمن بالإيمان ولوازمه من الجزاء والحساب.

المسألة الثانية من قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [المطففين: 6] يفهم أن مطفف الكيل والوزن وهو يعلمون هذا حقيقة غالباً ولا يطلع عليه الطرف الآخر، فيكون الله تعالى هو المطلع على فعله، فهو الذي سيحاسبه ويناقشه، لأنه خان الله الذي لا تخفى عليه خافية سبحانه، ولذا قال تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ولم يقل: يوم يقتص لكل إنسان من غريمه، ويستوفي كل ذي حق حقه.

تحذير شديد

قال القرطبي عند هذه الآية: وعن عبد الملك بن مروان أن أعرابياً قال له: قد سمعت ما قال الله في المطففين فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن. اهـ.

إِنها مقالة ينبغي أن تقال لكل آكل أموال الناس بغير حق أياً كان هو، وبأي وجه يكون ذلك.

تنبيه

من الملعوم أن كل متبايعين يطلب كل منهما الأحظ لنفسه، فالمطفف لا بد أن يخفي طريقه على غريمه.

وذكر علماء الحسبة طرقاً عديدة مما ينبغي لولي الأمر خاصة، وللمتعامل مع غيره عامة، أن يتنبه لها.

من ذلك قالوا: أولاً من ناحية المكيال قد يكون جرم المكيال ليناً فيضغطه بين يديه، فتتقارب جوانبه فينقص ما يحتوي عليه، ولذا يجب أن يكون إناء الكيل صلباً، والغالب جعله من الخشب أو ما يعادله.

ومنها: أنه قد يكون خشباً منقوراً من جوفه، ولكن لا يبلغ بالتجويف إلى نهاية المقدار المطلوب، فيرى من خارجه كبيراً، ولكنه من الداخل صغير لقرب قعره.

ومنها: قد يكون منقوراً إلى نهاية الحد المطلوب، ولكنه يدخل فيه شيئاً يشغل فراغه من أسفله، ويثبته في قعره. فينقص ما يكال بقدر ما يشغل الفراغ المذكور، فقد يضع ورقاً أو خرقاً أو جبساً أو نحو ذلك.

السابقالتالي
2 3