الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } * { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }

التطفيف: التنقيص من الطفيف، وهو الشيء القليل.

وقد فسره ما بعده في قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [المطففين: 2-3].

قالوا: نزلت في رجل كان له مكيالان كبير وصغير، إذا اكتال لنفسه على غيره، اكتال بالمكيال الكبير، وإذا كال من عنده لغيره، اكتال بالمكيل الصغير، ففي كلتا الحالتين تطفيف، أي تنقيص على الناس من حقوقهم.

والتقديم في افتتاحية هذه السورة بالويل للمطففين، يشعر بشدة خطر هذا العمل، وهو فعلاً خطيراً، لأنه مقياس اقتصاد العالم وميزان التعامل، فإذا اختل أحدث خللاً في اقتصاده، وبالتالي اختلال في التعامل، وهو فساد كبير.

وأكبر من هذا كله، وجود الربا إذا بيع جنس بجنسه، وحصل تفاوت في الكيل أو الوزن.

وفيه كما قال تعالى:فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279].

ولذا فقد ورد ذكر الكيل والوزن، والحث على العناية بهما في عدة مواطن، بعدة أساليب منها الخاص ومنها العام.

فقد ورد في الأنعام والأعراف وهود وبني إسرائيل والرحمن والحديد، أي في ست سور من القرآن الكريم.

أولاً في سورة الأنعام، في سياق ما يعرف بالوصايا العشر،قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [الأنعام: 151]. وذكر برّ الوالدين والنهي عن قتل الأولاد والقرب من الفواحش، وقتل النفس التي حرم الله، والنهي عن مال اليتيم.

ثم قال:وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } [الأنعام: 152].

وتكلم الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عندها كلاماً موجزاً مفيداً، بأن الأمر هنا بقدر الوسع، ومن أخل من غير قصد التعدي، لا حرج عليه.

وقال: ولم يذكر هنا عقوبة لمن تعمد ذلك، ولكنه توعده بالويل في موضع آخر، وساق أول هذه السورة: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ }.

كما بين عاقبة الوفاء بالكيل بقوله:ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 59] أي مآلا.

وهنا يلفت كلامه رحمه الله النظر إلى نقطة هامة. وهي في قوله تعالى:لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [الأنعام: 152]، حيث إن التطفيف الزيادة الطفيفة، والشيء الطفيف القليل.

فكأن الآية هنا تقول: تحروا بقدر المستطاع من التطفيف ولو يسيراً.

وبعد بذل الجهد لا نكلف نفساً إلاَّ وسعها، وهذا غاية في التحري مع شدة التحذير والتوعد بالويل، وإذا كان الوعيد بالويل على الشيء الطفيف، فما فوقه من باب أولى.

الموضع الثاني في سورة الأعراف من قوله تعالى:وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

السابقالتالي
2 3