الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } * { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ }

ظاهر قوله تعالى: { فَلآَ أُقْسِمُ } نفى القسم، ولكنه قسم قطعاً، بدليل التصريح بجواب القسم في قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }.

وبهذا يترجح ما تقدم في أول سورة القيامةلاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [القيامة: 1].

ومثل الآتيلاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [البلد: 1].

تنبيه

يجمع المفسرون أن للَّه تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، لأنها دالة على قدرته، وليس للمخلوق أن يحلف إلا بالله تعالى.

ولكن هل في المغايرة بما يقسم الله تعالى به معنى مقصود، أم لمجرد الذكر، وتعدد المقسم به؟

وبعد التأمل، ظهر والله تعالى أعلم، أنه سبحانه لا يقسم بشيء في موضع دون غيره، إلا لغرض يتعلق بهذا الموضع، يكون بين المقسم به، والمقسم عليه مناسبة وارتباط، وقد يظهر ذلك جلياً، وقد يكون خفياً.

وهذا فعلاً ما تقتضيه الحكمة والإعجاز في القرآن، وإن كنت لم أقف على بحث فيه.

ولكنَّ مما يشير إلى هذا الموضوع، ما جاء بالإقسام بمكة مرتين، وفي حالتين متغايرتين.

الأولى: قوله تعالى:لآَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد: 1-4].

والموضع الثاني: قوله تعالى:وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 1-4].

فالمقسم به في الموضعين: مكة المكرمة، والمقسم عليه في الموضعين خلق الإنسان، ولكن في الموضع الأول كان المقسم عليه مكابدة الإنسان من أول ولادته إلى نشأته، إلى كده في حياته، إلى نهايته ومماته.

من ذلك مكابدته صلى الله عليه وسلم منذ ولادته إلى حيث مات أبوه قبله، ولحقت به أمه، وهو في طفولته، وبعد الوحي كابد مع قومه ولقى منهم عنتاً شديداً، حتى تآمروا على قتله، فلكأنه يقول له: اصبر على ذلك، فإن المكابدة لا بد منها، هي ملازمة للإنسان كملازمتك لهذا البلد منذ ولادتك.

وفي ذكر { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } إشعار ببدء المكابدة، وبأشدها من حالة الولادة وطبيعة الطفولة، ولذا ذكر هنا هذا البلد بدون أي وصف.

أما في الموضع الثاني: فالمقسم عليه، وإن كان هو خلق الإنسان، إلا أنه في أحسن تقويم، وهي أعظم نعمة عليه جاء بالمقسم به عرضاً للنعم، وتعددها من التين والزيتون، سواء كان المراد بهما الفاكهة المذكورة أو أماكنها، وهو بيت المقدس مع طور سينين.

فجاء بمكة أيضاً ولكن بوصف مناسب فقال:وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } [التين: 3] فكأنه يقول: إن من أنعم على تلك البقاع بالخير والبركة والقداسة، أنعم على الإنسان بنعمة حسن خلقته وحسن تقويمه وفضله على سائر مخلوقاته. والله تعالى أعلم.

وهنا يقسم بحالات الكواكب على أصح الأقوال، في ظهورها واختفائها وجريانها، وبالليل إذا عسعس: أقبل وأدبر، أو أضاء وأظلم، والصبح إذا تنفس: أي أظهرت وأشرق، وهما أثران من آثار الشمس في غروبها وشروقها.

السابقالتالي
2 3 4