الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ }

سبب نزول هذه السورة باتفاق المفسرين، أنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً بدعوة صناديد قريش، فأتاه ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى وقال: " أقرِئني يا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وعلّمني مما علَّمكَ الله " وكرر ذلك، فلم يتفق ذلك وما هو مشتغل به صلى الله عليه وسلم، وما يرجوه مما هو أعظم، فعبس وتولى عنه منصرفاً، لما هو مشتغل به.

قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على قوله تعالى: { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } ما نصه: عبّر تعالى عن هذا الصَّحابي الجَليل الذي هو عبد الله بن أم مكتوم، بلقَب يكرهه الناس، مع أنه قال:وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } [الحجرات: 11].

والجواب: هو ما نبه عليه بعض العلماء: من أن السر في التعبير عنه بلفظ الأعمى، للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه لو كان يرى ما هو مشتغل به مع صناديد الكفار لما قطع كلامه اهـ منه بلفظه.

وقال الفخر الرازي: إنه وإن كان أعمى لا يرى، فإنه يسمع وبسماعه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقدامه على مقاطعته يكون مرتكباً معصية، فكيف يعاتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فكلامه هذا يشعر بأنه إن كان معذوراً لعدم الرؤية، فليس معذوراً لإمكان سماعه، ولكن ذكره بوصفه ليوجب العطف عليه والرفق به.

والظاهر والله تعالى أعلم: أن كلام الرازي ليس بعيداً عمَّا ذكره الشيخ، لأن معناه أنه عاقبه لعدم رفقه به. ومراعاة حالة عماه.

فعليه، يكون ذكره بهذا الوصف من باب التعريض بغيره من أولئك الصناديد وسادة القوم، وكأنه يقول لهم:فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46]، فهذا كفيف البصر، ولكن وقاد البصيرة أبصر الحق وآمن، وجاء مع عماه يسعى طلباً للمزيد، وأنتم تغلقت قلوبكم وعميت بصائركم فلم تدركوا الحقيقة ولم تبصروا نور الإيمان، كما في الآية الكريمة: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } والعلم عند الله تعالى.

تنبيه

مما اتفق عليه المحدثون: جواز ذكر مثل هذه الأوصاف إذا كانت للتعريف لا للتنقيص، فقالوا: الأعمى والأعور والأعرج. وفي الحرف قالوا: الخراز، والخرقى، ونحوذ ذلك، وهذا ما فيه مصلحة لترجمة الرجال في السند.

ومثله: ليس تنابزاً بالألقاب في هذا الفن. والله تعالى أعلم.

ومثله: إذا كان للتعريف في غرض سليم دون تنقص كما قدمنا.

وقوله تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } ، فإن فيه مثل ما في قوله تعالى: { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } لأن العبوسة أمر لا يتفق في الظاهر مع قوله تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم،

السابقالتالي
2 3