الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا }

في هذه الآية الكريمة وصف الأرض بأن الله تعالى: دحاها، وجاء في آية أخرى أنه طحاها بالطاء، وجاء في آية أخرى أنه بسطها، وهي قوله تعالى:وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } [الغاشية: 20].

وقد اختلف في تفسير قوله: دحاها، فقال ابن كثير: تفسيره ما بعده { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [النازعات: 31-32] وهذا قول ابن جرير عن ابن عباس.

وقال القرطبي: دحاها أي بسطها.

والعرب تقول: دحا الشيء إذا بسطه.

وقال أبو حيان: دحاها بسطها ومهدها للسكنى والاستقرار عليها: ثمَّ فسر ذلك التمهيد بما لا بد منه من إخراج الماء والمرعى، وإرسائها بالجبال.

ومما ذكر يتأتَّى السكنى والمعيشة حتى الملح والمأكل والمشرب، وهذا هو كلام الزمخشري بعينه.

وقال الفخر الرازي: دحاها بسطها، فترى أن جميع المفسرين تقريباً متفقون على أن دحاها بمعنى بسطها.

وقول ابن جرير وابن كثير: إن دحاها فسر بما بعده لا يتعارض مع البسط والتمهيد، كما قال ابو حيان: إنه ذكر لوازم التسكن إلى المعيشة عليها من إخراج مائها ومرعاها لان بهما قوام الحياة.

ومما يستأنس به أن الدحو معروف بمعنى البسط، قول ابن الرومي:
ما أنس لا أنس خبازاً مررت به   يدحو الرقَاقة وشك اللمح بالبصر
ما بين رُؤيتها في كفه كرة   وبين رؤيتها قوراء كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دَائرة   في صفحة المَاء ترمي فيه بالحجر
وقد أثير حول هذه الآية مبحث شكل الأرض أمبسوطة هي أم كروية مستديرة؟

وإذا رجعنا إلى أمهات كتب اللغة نجد الآتي:

أولاً: في مفردات الراغب: قال دحاها، أزالها من موضعها ومقرها.

ومنه قولهم: دحا المطر الحصى من وجه الأرض أي جرفها، ومر الفرس يدحو دحواً: إذا جر يده على وجه الأرض فيدحوا ترابها.

ومنه أدحى النعام، وقال: الطحو كالدحو، وهو بسط الشيء والذهاب به والأرض وما طحاها، وأنشد قول الشاعر:
طحا بك قلب في الحسان طروب   
أي ذهب بك.

وفي معجم مقاييس اللغة، مادة دحو: الدال والحاء والواو أصل واحد يدل على بسط وتمهيد.

يقال: دحى الله الأرض يدحوها دحواً إذا بسطها.

ويقال: دحا المطر: الحصا عن وجه الأرض، وهذا لأنه إذا كان كذلك فقد مهد الأرض.

ويقال للفرس، إذا رمى بيده رمياً لا يرفع سنبكه عن الأرض كثيراً: مر يدحو دحواً، ومن الباب أدحى النعام الموضع الذي يفرخ فيه أفعول من دحوت، لأنه يدحوه برجله ثم يبيض فيه، وليس للنعامة عش.

وفي لسان العرب مادة دحا، والدحو: البسط، دحى الارض يدحوها دحواً: بسطها.

وقال الفراء في قوله عز وجل: { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [30]، قال بسطها، وذكر الأدحى مبيض النعام في الرمل، لأنَّ النعامة تدحوه برجلها، ثم تبيض فيه.

السابقالتالي
2 3 4