الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }

الهداية هنا بمعنى البيان، كما في قوله تعالى:وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت: 17].

والسبيل الطريق السوي، وفيه بيان انقسام الإنسان إلى قسمين: شاكر معترف بنعمة الله تعالى عليه، مقابل لها بالشكر أو كافر جاحد.

وقوله: { إِمَّا شَاكِراً } ، يشير إلى إنعام الله تعالى على العبد، وقد ذكر تعالى نعمتين عظيمتين:

الأولى: إيجاد الإنسان من العدم بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً، وهذه نعمة عظمى لا كسب للعبد فيها.

والثانية: الهداية بالبيان والإرشاد إلى سبيل الحق والسعادة، وهذه نعمة إرسال الرسل وإنزال الكتب ولا كسب للعبد فيها أيضاً:

وقد قال العلماء: هناك ثلاث نعم لا كسب للعبد فيها.

الأولى: وجوده بعد العدم.

الثانية: نعمة الإيمان.

الثالثة: دخول الجنة.

وقالوا: الإيجاد من العدم، تفضل من الله تعالى كما قال:لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [الشورى: 49-50]، ومن جعله الله عقيماً فلن ينجب قط.

والثانية: الإنعام بالإيمان، كما في قوله تعالى:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56].

وقد جاء في الحديث: " كل مَولود يُولد على الفِطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه " الحديث.

وكون المولود يولد بين أبوين مسلمين، لا كسب له في ذلك.

والثالث، الإنعام بدخول الدجنة كما في الحديث: " لن يدخل أحدكم الجنة بعلمه. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ".

وقد ذكر تعالى نعمتين صراحة، وهما خلق الإنسان بعد العدم، وهدايته السبيل.

والثالث: تأتي ضمناً في ذكر النتيجةإِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [الإنسان: 5] لأن الأبرار هم الشاكرون بدليل التقسيمشَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاْ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [الإنسان: 3-5].

وقوله تعالى: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } تقدم أنها هداية بيان.

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، بيان الهداية العامة والخاصة. والجمع بينهما في أكثر من موضع، وفي مستهل هذه السورة بيان لمبدأ الإنسان وموقفه من بعثة الرسل وهدايتهم ونتائج أعمالهم من شكر أو كفر.

وقد جاءت السنة بقراءة هذه السورة في الركعة الثانية من فجر يوم الجمعة، مع قراءة سورة السجدة في الركعة الأولى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن قراءتهما معاً في ذلك اليوم لمناسبة خلق آدم في يوم الجمعة ليتذكر الإنسان في هذا اليوم، وهو يوم الجمعة مبدأ خلق أبيه آدم ومبدأ خلق عموم الإنسان ويتذكر مصيره ومنتهاه ليرى ما هو عليه من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل هو شاكر أو كفور اهـ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد