الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً }

المساجد جمع مسجد. والمسجد لغة اسم مكان من سجد يسجد على وزن مفعل، كمجلس على غير القياس مكان الجلوس، وهو لغة يصدق على كل مكان صالح للسجود.

وقد ثبت من السنة أن الأرض كلها صالحة لذلك، كما في قوله صلى الله عليه وسلم، " وجعلت لي الأرض مسجداً طهوراً " ، واستثنى منها أماكن خاصة نهى عن الصلاة فيها لأوصاف طارئة عليها وهي المزبلة والمجزرة والمقبر وقارعة الطريق وفوق الحمام. ومواضع الخسف ومعاطن الإبل، والمكان المغصوب على خلاف فيه من حيث الصحة وعدمها والبيع.

وقد عد الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه تسعة عشر موضعاً عند قوله تعالى:وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الحجر: 80] في الكلام على حكم أرض الحجر ومواطن الخسف، وساق كل موضع بدليله، وهو بحث مطول مستوفَى والمسجد عرفاً كل ما خصص للصلاة وهو المراد بالإضافة هنا لله تعالى، وهي إضافة تشريف وتكريم مع الإشعار باختصاصها بالله أي بعبادته وذكره، كما قال تعالى:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ } [النور: 36-37] الآية.

ولهذا منعت من اتخاذها لأمور الدنيا من بيع وتجارة، كما في الحديث: " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا له: لا أربح الله تجارتك " رواه النسائي والترمذي وحسنه.

وكذلك إنشاد الضالة لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا سمعتم من ينشد ضالة بالمسجد، فقولوا له: لا ردَّها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لذلك " رواه مسلم.

وفي حديث الأعرابي الذي بال في المسجد. قال له صلى الله عليه وسلم: " إن هذه المساجد لم تبن لذلك، إنما هي لذكر الله وما والاه " ، وفي موطأ مالك: أن عمر رضي الله عنه بني رحبة في ناحية المسجد تسمى البطحاء، وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعراً، أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة.

واللغط هو الكلام الذي فيه جلبة واختلاط. " وأل " في المساجد للاستغراق فتفيد شمول جميع المساجد، كما تدل في عمومها على المساواة، ولكن جاءت آيات تخصص بعض المساجد بمزيد فضل واختصاص، وهي المسجد الحرام خصَّه الله تعالى بما جاء في قوله:إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } [آل عمران: 96-97]. فذكر هنا سبع خصال ليست لغيره من المساجد من أنه أول بيت وضع للناس ومبارك وهدى للعالمين، وفيه آيات بينات ومقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً، والحج والعمرة إليه، وآيات أُخر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد