الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ }

المعلوم أن مادة سأل لا تتعدى بالياء، كتعديها هنا. ولذا قال ابن كثير: إن الفعل ضمن معنى فعل آخر يتعدى بالباء وهو مقدر ما استعجل، واستدل لذلك بقوله تعالى:وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [الحج: 47]، وذكر عن مجاهد أن سأل بمعنى دعا.

واستدل له بقوله تعالى عنهم:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]، وذكر هذا القول ابن جرير أيضاً عن مجاهد.

وقرئ سال بدون همزة من السيل، ذكرها ابن كثير وابن جرير، وقالوا: هو واد في جهنَّم، وقيل: مخفف سأل اهـ.

ولعل مما يرجح قول ابن جرير أن الفعل ضمن معنى مثل آخر قوله تعالى:يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى: 18] الآية.

وتقدم للشّيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان هذا المعنى عند الكلام على قوله تعالى:وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32] وأحال على سورة سأل وقال وسيأتي زيادة إيضاح إن شاء الله.

وقد بين هناك أن قولهم يدل على جهالتهم حيث لم يطلبوا الهداية إليه إن كان هو الحق.

وحيث انه رحمه الله أحال على هذه السورة لزيادة الإيضاح فإن المناسب إنما هو هذه الآية: { سَأَلَ سَآئِلُ } بمعنى استعجل أو دعا لوجود الارتباط بين آية سأل، وآية { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ }. المذكورة. فإنَّهما مرتبطان بسبب النزول.

كما قال ابن جرير وغيره عن مجاهد في قوله تعالى: { سَأَلَ سَآئِلُ } قال: دعا داع بعذاب واقع. قال: هو قولهم { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا } الآية. والقائل هو النضر بن الحارث بن كلدة.

والإيضاح المنوه عنه يمكن استنتاجه من هذا الربط ومن قوله رحمه الله: إنه يدل على جهالتهم وبيان ما إذا كان هذا العذاب الواقع هل وقوعه في الدنيا أم يوم القيامة.

والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن جهالة قريش دل عليها العقل والنقل، لأن العقل يقضي بطلب النفع ودفع الضر كما قيل:

لما نفع يسعى اللبيب فلا تكن ساعياً.

وأما النقل فلأن ما قص الله علينا أن سحرة فرعون وقد جاءوا متحدين غاية التحدي لموسى عليه السلام ولكنهم لما عاينوا الحق قالوا آمنا وخروا سجداً ولم يكابروا كما قضى الله علينا من نبئهم في كتابه قال تعالى:فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [طه: 70] ولما اعترض عليهم فرعون وقال:آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ } [طه: 71] إلى آخر كلامه، قالوا وهو محل الشاهد هنا، لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ولم يبالوا بوعيده ولا بتهديده.

وقال في استخفاف: فاقض ما أنت قاض، فهم لما عاينوا البينات خروا سجداً أعلنوا إيمانهم وهؤلاء كفار قريش يقولون مقالتهم تلك.

السابقالتالي
2