الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ }. لم يفصل هنا ذلك، ولكنه فصله في سورة " فصلت " بقولهقُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } فصلت 9-12. قوله تعالى { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } الآية. هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات كقولهيَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } الفتح 10 ونحو ذلك. أشكلت على كثير من الناس إشكالاً ضل بسببه خلق لا يحصى كثرة، فصار قوم إلى تعطيل وقوم إلى التشبيه - سبحانه وتعالى علواً كبيراً عن ذلك كله - والله جل وعلا أوضح هذا غاية الإيضاح، ولم يترك فيه أي لبس ولا إشكال، وحاصل تحرير ذلك أنه جل وعلا بين أن الحق في آيات الصفات متركب من أمرين أحدهما تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الحوادث في صفاتهم سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. والثاني الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. لأنه لا يصف الله اعلم بالله من اللهأَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } البقرة 140، ولا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيهوَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } النجم 3-4 فمن نفى عن الله وصفاً أثبته لنفسه في كتابه العزيز، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم زاعماً أن ذلك الوصف يلزمه ما لا يليق بالله جل وعلا، فقد جعل نفسه أعلم من الله ورسوله بما يليق بالله جل وعلا.سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } النور 16. ومن اعتقد أن وصف الله يشابه صفات الخلق، فهو مشبه ملحد ضال، ومن أثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع تنزيهه جل وعلا عن مشابهة الخلق، فهو مؤمن جامع بين الإيمان بصفات الكمال والجلال، والتنزيه عن مشابهة الخلق، سالم من ورطة التشبيه والتعطيل، والآية التي أوضح الله بها هذا. هي قوله تعالىلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } الشورى 11 فنفى عن نفسه جل وعلا مماثلة الحوادث بقوله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وأثبت لنفسه صفات الكمال والجلال بقوله { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } فصرح في هذه الآية الكريمة بنفي المماثلة مع الاتصاف بصفات الكمال والجلال. والظاهر أن السر في تعبيره بقوله { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } دون أن يقول مثلاً وهو العلي العظيم أو نحو ذلك من الصفات الجامعة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد