الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى { فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ } الآية. قال مجاهد، وقتادة، والسدي { حرج } أي شك. أي لا يكن في صدرك شك في كون هذا القرآن حقاً، وعلى هذا القول فالآية، كقوله تعالىٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } البقرة 147 وقولهٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } آل عمران 60، وقولهفَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } يونس 94. والممتري هو الشاك. لأنه مفتعل من المرية وهي الشك، وعلى هذا القول فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. والمراد نهى غيره عن الشك في القرآن، كقول الراجز
إياك أعني واسمعي يا جارة   
وكقوله تعالىوَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } الإنسان 24، وقولهلَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } الزمر 65، وقولهوَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ } البقرة 120 الآية. ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئاً من ذلك، ولكن الله يخاطبه ليوجه الخطاب إلى غيره في ضمن خطابه صلى الله عليه وسلم. وجمهور العلماء على أن المراد بالحرج في الآية الضيق. أي لا يكن في صدرك ضيق عن تبليغ ما أمرت به لشدة تكذيبهم لك، لأن تحمل عداوة الكفار، والتعرض لبطشهم مما يضيق به الصدر، وكذلك تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم مع وضوح صدقه بالمعجزات الباهرات مما يضيق به الصدر. وقد قال صلى الله عليه وسلم " إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة " ، أخرجه مسلم. والثلغ الشدخ وقيل ضرب الرطب باليابس حتى ينشدخ، وهذا البطش مما يضيق به الصدر. ويدل لهذا الوجه الأخير في الآية قوله تعالىفَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } هود 12، وقولهوَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } الحجر 97، وقولهفَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } الكهف 6 وقولهلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } الشعراء 3. ويؤيد الوجه الأخير في الآية أن الحرج في لغة العرب الضيق. وذلك معروف في كلامهم، ومنه قوله تعالىلَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } النور 61، وقولهوَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } الحج 78، وقولهيَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } الأنعام 125 أي شديد الضيق إلى غير ذلك من الآيات، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة، أو جميل
فخرجت خوف يمينها فتبسمت فعلمت أن يمينها لم تحرج   
وقول العرجبي
عوجي علينا ربة الهودج إنك إلا تفعلي تحرجي   
والمراد بالإحراج في البيتين الإدخال في الحرج. بمعنى الضيق كما ذكرنا. قوله تعالى { لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }. لم يبين هنا المفعول به لقوله النذر، ولكنه بينه في مواضع أخر كقولهوَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } مريم 97، وقولهلِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } يس 6، إلى غير ذلك من الآيات. كما أنه بين المفعول الثاني للإنذار في آيات أخر، كقوله

السابقالتالي
2