الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } * { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } * { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }

تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان الرد على مقالتهم تلك عند قوله تعالى:أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } [المؤمنون: 70] الآية من سورة المؤمنون.

وساق النصوص، وقال: إن في الآية ما يرد عليهم، وهو قوله تعالى:بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } [المؤمنون: 70] اهـ.

وهكذاهنا في الآية ما يدل على بطلان دعواهم، ويرد عليهم، وهو قوله تعالى: { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي على ما جئت به من الحق وقمت به من البلاغ عن الله والصبر عليه، كما رد عليهم بقوله:وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } [التكوير: 22].

وكذلك قوله تعالى في حق رسوله الكريم الأعظم: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } لأن المجنون سفيه لا يعني ما يقول ولا يحسن أي تصرف. والخلق العظيم أرقى منازل الكمال في عظماء الرجال.

وقوله تعالى: { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } ، المن: القطع. أي إن أجره صلى الله عليه وسلم عند الله غير منقطع.

قال الشاعر:
لمقفر قهر تنازع شلوه   عبس كواسب لا يمن طعامها
وقد بين تعالى دوام أجره دون انقطاع في قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [الأحزاب: 56].

وصلوات الله تعالى عليه وصلوات الملائكة والمؤمنين لا تنقطع ليلاً ولا نهاراً وهي من الله تعالى رحمة، ومن الملائكة والمؤمنين دعاء.

وفي سورتي: الضحى وألم نشرح، بكاملهامَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [الضحى: 3-5].

وقولهوَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4].

ومعلوم من السنة أن من دل على خير فله مثل من عمل به، فما من مسلم تكتب له حسنة في صحيفته إلى وللرسول صلى الله عليه وسلم مثلها.

وقد قال صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " ، ومنها: " أو علم ينتفع به " وأي علم أعم نفع مما جاء به صلى الله عليه وسلم وتركه في الأمة حتى قال: " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على دوام أجره.

أما جزاؤه عند الله فلا يقدر قدره إلا الله تعالى.

وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } تقدم أن هذه بمثابة الرد على ادعاء المشركين أولاً عليه صلى الله عليه وسلم ورميه بالجنون. لأن أخلاق المجانين مذمومة بل لا أخلاق لهم، وهنا أقصى مراتب العلو في الخلق.

وقد أكد هذا السياق بعوامل المؤكدات باندراجه في جواب القسم الأول في أول السورة، وبإن اللام في لعلى، وجاء بعلى الدالة على الاستعلاء والتمكن بدل من ذو مثلاً (ذو خلق عظيم) لبيان قوة التمكن والاستعلاء، وأنه صلى الله عليه وسلم فوق كل خلق عظيم متمكّن منه مستعل عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5