الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

قوله تعالى: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } الآية.

قيل في سبب نزولها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها فنزلت، وقيل غير ذلك، وعلى كل، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم.

ومما يشهد لهذه القاعدة ما لو أخذنا بعين الاعتبار النسق الكريم بين السورتين، حيث كان آخر ما قبلها موضوع الأولاد والزوجات من فتنة وعداء.

والإشارة إلى علاج ما بين الزوجين من إنفاق وتسامح على ما أشرنا إليه سابقاً هناك، فإن صلح ما بينهم بذاك فبها ونعمت، وإن تعذر ما بينهما وكانت الفرقة متحتمة فجاءت هذه السورة على إثرها تبين طريقة الفرقة السليمة في الطلاق وتشريعه وما يتبعه من عدد وإنفاق ونحو ذلك.

وقوله تعالى: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيّ } بالنداء للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله، { إِذَا طَلَّقْتُمُ } بخطاب لعموم الأمة. قالوا: كان النداء للنبي صلى الله عليه وسلم، والخطاب للأمة تكريماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكليفاً للأمة. وقيل: خوطبت الأمة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كخطاب الجماعة في شخصية رئيسها.

وقال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: ولهذه الآية استدل من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون داخلاً في عموم خطاب الأمة اهـ.

والواقع أن الخطاب الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم على ثلاث أقسام:

الأول: قد يتوجه الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم ولا يكون داخلاً فيه قطعاً، وإنما يراد به الأمة بلا خلاف من ذلك قوله تعالى في بر الوالدين:إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإسراء: 23-24].

فكل صيغ الخطاب هنا موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قطعاً ليس مراد بذلك لعدم وجود والدين، ولا أحدهما عند نزولها كما هو معلوم.

الثاني: أن يكون خاصاً به لا يدخل معه غيره قطعاً، نحو قوله تعالى:وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأحزاب: 50].

والثالث: هو الشامل له صلى الله عليه وسلم ولغيره بدليل هذه الآية، وأول السورة التي بعدها في قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ } [التحريم: 1]، فهذا كله خطاب موجه له صلى الله عليه وسلم.

وجاء بعدها مباشرةقَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ } [التحريم: 2] - بخطاب الجميع -تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } [التحريم: 2] فدل أن الآية داخلة في قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } ، وهذا باتفاق.

السابقالتالي
2 3