الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، في مذكرة الدراسة: المعنى أن الله هو الذي خلقكم وقدَّر على قوم منكم الكفر، وعلى قوم منكم الإيمان، ثم بعد ذلك يهدي كلاً لما قدره عليه كما قال:وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [الأعلى: 3] فيسر الكافر إلى العمل بالكفر، ويسر المؤمن للعمل بالإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " اهـ.

ومن المعلوم أن هذا النص من مأزق القدرية والجبرية، وأن أهل السنة يؤمنون أن كلاً بقدر الله ومشيئته. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: وهم أهل السنة وسط بين قول: إن العبد مجبور على عمله لا اختيار له كالورقة في مهب الريح.

وبين قول: إن العبد يخلق فعله بنفسه ويفعل ما يريده بمشيئته.

وأهل السنة يقولون بقوله تعالى:لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [التكوير: 28-29].

وقد ذكر القرطبي أقوال الطائفتين من أهل العلم، ولكل طائفة ما استدلت به، الأولى عن ابن مسعود أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً ".

وبما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ".

وقال: قال علماؤنا: تعلق العلم الأزلي بكل معلوم. فيجري ما علم وأراد وحكم.

الثانية ما جاء في قوله: وقال جماعة من أهل العلم: إنَّ الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا: وتمام الكلام: وهو الذي خلقكم، ثم وصفهم فقال: { فَمِنكُمْ كَافِرُ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ }.

وكقوله تعالى:وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ } [النور: 45]، قالوا فالله خلقهم والمشي فعلهم.

واختاره الحسين بن الفضل، قال: لأنه لو خلقهم كافرين ومؤمنين لما وصفهم بفعلهم، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة " الحديث اهـ.

وبالنظر في هاتين المقالتين نجد الآتي:

أولاً: التشبيه في المقالة الثانية لا يسلم، لأن وصف الدواب في حالة المشي ليس وصفاً فعلياً، وإنما هو من ضمن خلقه تعالى لها ولم يكن منها فعل في ذلك.

ثانياً: ما استدلت به كل طائفة من الحديثين لا تعارض بينهما، لأن الحديث الأول، " إن أحدكم ليعمل " لبيان المصير والمنتهى، وفق العلم الأزلي والإرادة القدرية.

السابقالتالي
2 3