الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

هذه الآية الكريمة، وهذا السياق يشبه في مدلولة وصورته قوله تعالى:وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } [الحج: 27-28] مع قوله:فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 198] الآية.

ففي كل منهما نداء، وأذان الحج وصلاة وسعي وإتيان وذكر الله، ثم انتشار وإفاضة مما يربط الجمعة بالحج في الشكل وإن اختلف الحجم، وفي الكيف وإن تفاوتت التفاصيل، وفي المباحث والأحكام كثرة وتنويعاً من متفق عليه ومختلف فيه، مما يجعل مباحث الجمعة لا تقل أهمية عن مباحث الحج، وتتطلب عناية بها كالعناية به.

وقد نقل عن الشيخ رحمة الله تعالى عليه أنه كان عازماً على بسط الكلام فيها كعادته رحمة الله تعالى عليه، ولكن إرادة الله نافذة، وقدرته غالبة. وإن كل إنسان يستشعر مدى مباحث الشيخ وبسطه وتحقيقه للمسائل ليحجم ويترك الدخول فيها تقاصراً دونها ولا سيما وأن ربط هذه المباحث بنصوص القرآن ليس بالأمر المبين، كما أشار إليه أبو حيان في مضمون قوله في نهاية تفسيره لهذه السورة بعد إيجاز الكلام عن أحكامها، قال ما نصه: وقد ملأ المفسرون كثيراً من أوراقهم بأحكام وخلاف في مسائل الجمعة مما لا تعلق بها بلفظ القرآن اهـ.

فهو يشير بأن لفظ القرآن لا تعلق له بتلك الأحكام التي ناقشها المفسرون في مباحث الجمعة، ولكن الدارس لمنهج الشيخ رحمة الله تعالى عليه في الأضواء، والمتذوق لأسلوبه لم يقتصر على اللفظ فقط، أي دلالة النص التطابقي وتأمل أنواع الدلالات من تضمن والتزام وإيماء وتنبيه، فإنه يجد لأكثر أو كل ما قاله المفسرون والمحدثون والفقهاء من المباحث أصولاً من أصول تلك الدلالات.

وإني أستلهم الله تعالى الرشد وأستمد، العون والتوفيق لبيان كل ما يظهر من ذلك إن شاء الله، فإن وفقت فبفضل من الله وخدمة لكتابه، وإلا فإنها محاولة تغتفر بجانب القصور العلمي وتحسين القصد، والله الهادي إلى سواء السبيل.

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْع } [الجمعة: 9] الآية.

قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة الدراسة ما نصه: إذا نودي للصلاة أي قام المنادي بها، وهو المؤذن يقول: حي على الصلاة.

وقوله: { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَة } أي من صلاة يوم الجمعة أي صلاة الجمعة اهـ.

ومما يدل على أن المراد بها صلاة الجمعة نفسها دون بقية صلوات ذلك اليوم مجيء من التي للتبعيض ثم تتبين هذا البعض بالأمر، بترك البيع في قوله: { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْع } ، لأن هذا خاص بالجمعة دون غيرها لوجود الخطبة، وقد كانت معينة لهم قبل نزول هذه الآية، وصلوها قبل مجيء النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كما سيأتي إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد