الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

أجرى الله تعالى الحكمة بأن أكثر أتباع الرسول ضعفاء الناس، ولذلك " لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن نبينا صلى الله عليه وسلم أأشرف الناس يتبعونه، أم ضعفاؤهم؟ فقال بل ضعفاؤهم. قال هم أتباع الرسل ". فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه تعالى اشار إلى أن من حكمة ذلك فتنة بعض الناس ببعض، فإن أهل المكانة والشرف والجاه يقولون لو كان في هذا الدين خير لما سبقنا إليه هؤلاء، لأنا أحق منهم بكل خير كما قال هنا { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } الآية إنكاراً منهم أن يمن الله على هؤلاء الضعفاء دونهم، زعماً منهم أنهم أحق بالخير منهم، وقد رد الله قولهم هنا بقوله { أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ }. وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله تعالىوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ } الأحقاف 11 الآية، وقولهوَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } مريم73. والمعنى أنهم لما رأوا أنفسهم أحسن منازل، ومتاعاً من ضعفاء المسلمين اعتقدوا أنهم أولى منهم بكل خير، وأن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان خيراً ما سبقوهم إليه، ورد الله افترائهم هذا بقولهوَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } مريم74، وقولهأَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } المؤمنون 55-56، إلى غير ذلك من الآيات.