قوله تعالى { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }. في قوله تعالى { يَعْدِلُونَ } وجهان للعلماء أحدهما أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف، والميل عنه، وعلى هذا فقوله { بِرَبِّهِمْ } متعلق بقوله { كَفَرُوْا } ، وعليه فالمعنى إن الذين كفروا بربهم يميلون وينحرفون عن طريق الحق إلى الكفر والضلال، وقيل على هذا الوجه إن " الباء " بمعنى " عن " أي يعدلون عن ربهم، فلا يتوجهون إليه بطاعة، ولا إيمان. والثاني أن " الباء " متعلقة بيعدلون، ومعنى يعدلون يجعلون له نظيراً في العبادة من قول العرب عدلت فلاناً بفلان إذا جعلته له نظيراً وعديلاً. ومنه قول جرير
أثعلبة الفوارس أم رياحاً عدلت بهم طهية والخشابا
يعني أجعلت طهية والخشاب نظراء وأمثالاً لبني ثعلبة، وبني رياح، وهذا الوجه الأخير يدل له القرآن، كقوله تعالى عن الكفار الذين عدلوا به غيره{ تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الشعراء 97-98، وقوله تعالى{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ } البقرة 165، وأشار تعالى في آيات كثيرة إلى أن الكفار ساووا بين المخلوق والخالق - قبحهم الله تعالى - كقوله{ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } الرعد 16، وقوله{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } النحل 17، وقوله{ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } الروم 28، الآية إلى غير ذلك من الآيات، وعدل الشيء في اللغة مثله، ونظيره، قال بعض علماء العربية إذا كان من جنسه، فهو عدل - بكسر العين - وإذا كان من غير جنسه، فهو عدل - بفتح العين - ومن الأول قول مهلهل
على أن ليس عدلاً من كليب إذا برزت مخبأة الخدور على أن ليس عدلاً من كليب إذا اضطرب العضاه من الدبور على أن ليس عدلاً من كليب غداة بلابل الأمر الكبير
يعني أن القتلى الذين قتلهم من بكر بن وائل بأخيه كليب الذي قتله جساس بن مرة البكري لا يكافؤونه، ولا يعادلنه في الشرف. ومن الثاني قوله تعالى{ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } المائدة 95، لأن المراد نظير الإطعام من الصيام، وليس من جنسه، وقوله{ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ } الأنعام 70، وقوله{ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ } البقرة 123 والعدل الفداء، لأنه كأنه قيمة معادلة للمفدي تؤخذ بدله قوله تعالى{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } الأنعام 3 الآية في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه للعلماء من التفسير وكل واحد منها لا مصداق في كتاب الله تعالى الأول أن المعنى، وهو الله في السماوات وفي الأرض، اي وهو الإله المعبود في السماوات وفي الأرض، لأنه جل وعلا هو المعبود وحده بحق في الأرض والسماء، وعلى هذا فجملة " يعلم " حال، أو خبر وهذا المعنى يبينه، ويشهد له قوله تعالى