الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

جاءت في هذه الآيات الثلاث: ذكر كلمة التوحيد مرتين، كما ذكر فيها أيضاً تسبيح الله مرتين وذكر معهما العديد من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فكانت بذلك مشتملة على ثلاث قضايا أهم قضايا الأديان كلها مع جميع الأمم ورسلهم، لأن دعوة الرسل كلها في توحيد الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وتنزيهه، والرد على مفتريات الأمم على الله تعالى:

فاليهود قالوا: عزير ابن الله.

والنصارى قالوا المسيح ابن الله.

والمشركون قالوا:ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [مريم: 88]،وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } [الزخرف: 19]، وقالوا:أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ص: 5].

فكلهم ادعى الشريك مع الله، وقالوا: ثالث ثلاثة وغير ذلك.

وكذلك في قضية التنزيه، فاليهود قالوا:إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [آل عمران: 181]، وقالوا:يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } [المائدة: 64].

والمشركون قالوا:وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } [الفرقان: 60]، ونسبوا الله ما لا يرضاه أحدهم لنفسه، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، في الوقت الذي إذا بشر أحدهم بالأُنثى ظلَّ وجهُه مسودّاً وهو كظيم.

وهذا كما تراه أعظم افتراء على الله تعالى، وقد سجله عليهم القرآن في قوله تعالىوَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } [الكهف: 4-5] وكما قال تعالى:أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الصافات: 151-152]، وقال مبيناً جرم مقالتهم،وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [مريم: 88-92].

فكانت تلك الآيات الثلاث علاجاً في الجملة لتلك القضايا الثلاث، توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتنزيه الله سبحانه وتعالى مع إقامة الأدلة عليها.

وقد اجتمعت معاً لأنه لا يتم أحدها إلا بالآخرين، ليتم الكمال لله تعالى.

قال أبو السعود: إن الكمالات كلها مع كثرتها وتشعبها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم اهـ.

وهذا كله متوفر في هذا السياق، وقد بدأ بكلمة التوحيد، لأنها الأصل، لأن من آمن بالله وحده آمن بكل ما جاء عن الله، وآمن بالله على ما هو له أهل، ونزهه عما ليس له بأهل قال تعالى: { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [الحشر:22] ثم أعقبه بالدليل على إفراده تعالى بالألوهية بما لا يشاركه غيره فيه بقوله تعالى: { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [الحشر: 22].

وهذا الدليل نص عليه على أنه دليل لوحدانية الله تعالى في مواضع أخرى منها قوله تعالىإِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } [طه: 98] ووسع كل شيء هنا تساوى عالم الغيب والشهادة، ومنها قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9