الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

دلت هذه الآية الكريمة على عدم استواء الفريقين: أصحاب النار وأصحاب الجنة.وهذا أمر معلوم بداهة، ولكن جاء التنبيه عليه لشدة غفلة الناس عنه، ولظهور أعمال منهم تغاير هذه القضية البديهية، كمن يسيء إلى أبيه فتقول له: إنه أبوك، قاله بعض المفسرين.

وهذا في أسلوب البيان يراد به لازم الخبر. أي يلزم من ذلك التنبيه أن يعملوا ما يبعدهم عن النار ويجعلهم من أصحاب الجنة، لينالوا الفوز

وهذا البيان قد جاءت نظائره عديدة في القرآن كقوله تعالى:أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ص: 28] وكقوله:أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } [السجدة: 18] أي في الحكم عند الله، ولا في الواقع في الحياة أو في الآخرة، كما قال تعالى:أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [الجاثية: 21] وهنا كذلكلاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الحشر: 20] في المرتبة والمنزلة والمصير.

قال أبو حيان: هذا بيان مقابلة الفريقين أصحاب النار في الجحيم، وأصحاب الجنة في النعيم، والآية عند جمهور المفسرين في بيان المقارنة بين الفريقين، وهو ظاهر السياق بدليل ما فيها من قوله: { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } ، فهذا حكم على أحد الفريقين بالفوز، ومفهومه الحكم على الفريق الثاني بالهلاك والخسران، ويشهد له أيضاً ما قبلهاوَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ } [الحشر: 19] أي من هذا الفريق فأنساهم أنفسهم، فصاروا أصحاب النار على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

وهنا احتمال آخر، وهو لا يستوي أصحاب النار في النار ولا أصحاب الجنة في الجنة، فيما هم فيه من منازل متفاوتة كما أشار إليه أبو حيان عند قوله تعالى:وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } [فصلت: 34]، ولكن عدم وجود اللام هنا يجعله أضعف احتمالاً، وإلا لقال: لا يستوي أصحاب النار، ولا أصحاب الجنة، وهذا المعنى، وإن كان واقعاً لتفاوت درجات أهل الجنة في الجنة، ومنازل أهل النار في النار، إلا أن احتماله هنا غير وارد، لأن آخر الآية حكم على مجموع أحد الفريقين، وهم أصحاب الجنة أي في مجموعهم كأنه في مثابة القول: النار والجنة لا يستويان، فأصحابهما كذلك.

وقد نبه أبو السعود على تقديم أصحاب النار، في الذكر على أصحاب الجنة بأنه ليبين لأول وهلة أن النقص جاء من جهتهم كما في قوله:هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ } [الرعد: 16] اهـ.

وبيان ذلك أن الفرق بين المتفاوتين في الزيادة والنقص، يمكن اعتبار التفاوت بالنسبة إلى النقص في الناقص، ويمكن اعتباره بالنسبة إلى الزيادة في الزائد.

فقدم الجانب الناقص ليبين أن التفاوت الذي حصل بينهما، إنما هو بسبب النقص الذي جاء منهما لا بسبب الزيادة في الفريق الثاني: والنتيجة في ذلك عدم إمكان جانب النقص الاحتجاج على جانب الزيادة، وفيه زيادة تأنيب لجانب النقص، وفي الآية إجمال أصحاب النار وأصحاب الجنة.

السابقالتالي
2 3