الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة، وأكد إخباره بأن هذا القرآن العظيم هو حق اليقين، وأمر نبيه بعد ذلك بأن يسبح باسم ربه العظيم.

وهذا الذي تضمنته هذه الآية ذكره الله جل وعلا في آخر سورة الحاقة في قوله في وصفه للقرآنوَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الحاقة: 50-52]، والحق هو اليقين.

وقد قدمنا أن إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين أسلوب عربي، وذكرنا كثرة وروده في القرآن وفي كلام العرب، ومنه في القرآن قوله تعالىوَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [يوسف: 109] ولدار هي الآخرة وقولهوَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } [فاطر: 43]، والمكر هو السيىء بدليل قوله بعده:وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43].

وقوله:مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16] والحبل هو الوريد، وقوله:شَهْرُ رَمَضَانُ } [البقرة: 185] والشهر هو رمضان.

ونظير ذلك من كلام العرب قول امرئ القيس.
كبكر المقانات البياض بصفرة   غذاها نمير الماء غير المخلل
والبكر هي المقانات.

وقول عنترة:
ومشك سابغة هتكت فروجها   بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
لأن مراده بالمشك هنا الدرع بدليل قوله: هتكت فروجها، يعني الدرع، وإن كان أصل المشك لغة السير الذي تشد به الدرع، لأن السير لا تمكن إرادته في بيت عنترة هذا خلافاً لما ظنه صاحب تاج العروس، بل مراد عنترة بالمشك الدرع، وأضافه إلى السابغة التي هي الدرع كا ذكرنا، وإلى هذا يشير ما ذكروه في باب العلم: وعقده في الخلاصة بقوله:
وإن يكونا مفردين فأضف   حتماً وإلا أتبع الذي ردف
لأن الإضافة المذكورة من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين، وقد بينا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب أن قوله في الخلاصة:
ولا يضاف اسم لما به اتحد   معنى وأول موهما إذا ورد
أن الذي يظهر لنا من استقراء القرآن والعربية أن ذلك أسلوب عربي، وأن الاختلاف بين اللفظين كاف في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، وأنه لا حاجة إلى التأويل مع كثرة ورود ذلك في القرآن والعربية.

ويدل له تصريحهم بلزوم إضافة الاسم إلى اللقب إن كانا مفردين نحو سعيد كرز، لأن ما لا بد له من تأويل لا يمكن أن يكون هو اللازم كما ترى، فكونه أسلوباً أظهر.

وقوله { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } التسبيح: أصل الإبعاد عن السوء،وتسبيح الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، وذلك التنزيه واجب له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، والظاهر أن الباء في قوله { بِٱسْمِ رَبِّكَ } داخلة على المفعول، وقد قدمنا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالىوَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [مريم: 25] أدلة كثيرة من القرآن وغيره على دخول الباء على المفعول الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه، كقولهوَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ }

السابقالتالي
2