الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } * { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ }

تضمنت هاتان الآيتان ثلاثة أمور:

الأول: أن آل فرعون جاءتهم النذر.

الثاني: أنهم كذبوا بآيات الله.

الثالث: أن الله أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

وهذه الأمور الثلاثة المذكورة هنا جاءت موضحة في آيات أخر من كتاب الله، أما الأول منها وهو أن آل فرعون وقومه جاءهم النذر، فقد أوضحه تعالى في آيات كثيرة من كتابه.

اعلم أولاً أن قوله { جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } [القمر: 41]، قيل: هو جمع نذير وهو الرسول: وقيل هو مصدربمعنى الإنذار فعلى أنه مصدر.

فقد بينت الآيات القرآنية بكثرة أن الذي جاءهم بذلك الإنذار هو موسى وهارون، وعلى أنه جمع نذير أي منذر، فالمراد به موسى وهارون، وقد جاء في آيات كثيرة إرسال موسى وهارون لفرعون كقوله تعالى في طه:فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } [طه: 47].

ثم بين تعالى إنذارهما له في قولهإِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [طه: 48] ونحوها من الآيات، وفي هذه الآية سؤال معروف، وهو أن الله تبارك وتعالى أرسل لفرعون نبيين هما موسى وهارون، كما قال تعالى:فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 16] وهنا جمع النذر في قوله { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُر } ، وللعلماء عن هذا أجوبة. أحدها أن أقل الجمع اثنان كما هو المقرر في أصول مالك بن أنس رحمه الله، وعقده صاحب مراقي السعود بقوله:
أقل معنى الجمع في المشتهر   لاثنان في رأي الإمام الحمير
قالوا، ومنه قوله تعالى:فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4] ولهما قلبان فقط وقوله:فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } [النساء: 11] والمراد بالإخوة اثنان فصاعداً كما عليه الصحابة فمن بعدهم خلافاً لابن عباس، وقولهوَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } [طه: 130] وله طرفان. ومنها ما ذكره الزمخشري وغيره من أن المراد بالنذر موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء، لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون. ومنها أن النذر مصدر بمعنى الإنذار.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق في الجواب، أن من كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميع المرسلين، ومن كذب نذيراً واحداً فقد كذب جميع النذر، لأن أصل دعوة جميع الرسل واحدة، وهي مضمون لا إله إلا الله كما أوضحه تعالى بقوله:وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36] وقوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25]. وقوله تعالى:وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45].

وأوضح تعالى أن من كذب بعضهم فقد كذب جميعهم في قوله تعالى:وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً }

السابقالتالي
2